الاستقامة والحفاظ على الرصيد الإيماني
أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ ألا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
وتقبَّل الله منَّا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.
اللهم اهدنا وتقبَّل منَّا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
بمحاضرة اليوم نختتم المحاضرات الرمضانية، ونرجو من الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وإيَّاكم للاستفادة من هديه المبارك، والاهتداء به، والاستنارة به؛ لأنه النور، ومن أهم ما ينبغي أن نأخذه بعين الاعتبار في ختام شهر رمضان المبارك: أن نحرص على أن تكون هذه المحطة التربوية الإلهية قد تركت أثرها الكبير في أنفسنا، من خلال: الاستعانة بالله، والالتجاء إليه، والدعاء، وطلب الهداية والتوفيق من الله -سبحانه وتعالى-، ومن خلال: التركيز على هديه المبارك، والاستشعار لقيمة هذه الفريضة المهمة التي هي صيام شهر رمضان المساعدة- إلى حدٍ كبير- في اكتساب التقوى.
شهر رمضان بصيامه وقيامه، وبصالح الأعمال فيه، وبما فيه من الأجر والبركة والفضل، وأيضاً بما يمد الله -سبحانه وتعالى- فيه عباده المؤمنين من الهداية والتنوير، وأيضاً بما يستفيد الإنسان من خلال إقباله بشكلٍ أكبر إلى القرآن الكريم، وإلى هدي الله -سبحانه وتعالى-، في ظل الظروف الإيجابية والمناخ الإيجابي والمساعد على الاستفادة والانتفاع والتأثر بشهر رمضان المبارك، كل هذا يمثل فرصةً مهمةً للإنسان لتعزيز علاقته بالله -سبحانه وتعالى-، وللتحرك عملياً وفق توجيهات الله -سبحانه وتعالى-، ولتحصيل التقوى والاهتداء بهدى الله -سبحانه وتعالى-.
كيف نحافظ على المحصلة المستفادة من الشهر الكريم؟
فالمحصلة المهمة لعلاقة الإنسان بهذا الشهر المبارك، لاستفادة الإنسان من هذا الشهر المبارك بكل ما فيه من: صيام، وقيام، وأعمال صالحة، وقربة إلى الله -سبحانه وتعالى-، وتفهم لهدى الله -سبحانه وتعالى-، الحصيلة المهمة والرئيسية هي: التقوى والهدى:
التقوى؛ لأن الله -جلَّ شأنه- قال في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: الآية 183]، هذه الثمرة المرجوة التي ينبغي أن نحرص- مع الاستعانة بالله والدعاء- أن نقتطفها من هذا الشهر المبارك، من هذه الفريضة المباركة، نقتطف ثمرةً مهمةً هي التقوى.
والاهتداء بهدى الله -سبحانه وتعالى- من خلال ما استفدناه في هذا الشهر المبارك، من خلال عودتنا إلى القرآن الكريم، سماعنا لهدى الله، أن نحرص أيضاً على أن نكتسب المزيد من الوعي، والفهم الصحيح، والمعرفة الصحيحة، والتأثر الإيجابي في أنفسنا، وأن نستوعب التعليمات الإلهية التي سمعناها، ثم نحرص ما بعد شهر رمضان المبارك على أن نكون في واقعنا العملي منطلقين على هذا الأساس، هذه مسألة مهمة؛ حتى لا نتنكر في ما بعد ذلك لكل ما قد سمعناه من الهدى، لكل ما سمعناه من توجيهات الله -سبحانه وتعالى-، لكل ما عرفناه من خلال اطلاعنا على هدى الله، من خلال تلاوتنا لكتاب الله.
والله -سبحانه وتعالى- قدَّم في القرآن الكريم التحذير من طريقة التعامل مع هدى الله -سبحانه وتعالى- بلا اهتمام، بلا قيمة، بلا التزام عملي، بلا تفهم، بلا إصغاء، بلا تركيز، بلا استفادة في الواقع العملي نفسه، ولذلك قال -جلَّ شأنه-: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد: 16-17]، في هذه الآية المباركة يبيِّن الله حال من لم يتفاعل مع هدى الله -سبحانه وتعالى-، من بداية الأمر لم يكن يركِّز، لم يكن يصغي، لم يكن يتفهم، لم يكن يحرص على أن يستوعب وأن يفهم، وفيما بعد ذلك في واقعه العملي- بالتأكيد- ينطلق بعيداً عن هدى الله -سبحانه وتعالى-، ينطلق وقد وصل إلى حالة من الخذلان، أن يطبع الله على قلبه؛ فيتحرك في مواقفه، في تصرفاته، في سلوكه، في أعماله، من منطلق هوى النفس، والمزاج الشخصي، المزاج النفسي.
وهذه حالة خطيرة على الإنسان، حالة رهيبة جدًّا، إذا لم يكن مركزاً على هدى الله، لا يعطي هدى الله قيمته، أهميته، ثم في واقعه العملي يخذل والعياذ بالله؛ فيتحرك وفق المزاج الشخصي، وهوى النفس، وبحالته الغريزية، في انفعالاته عند الغضب يتصرف بأي تصرف، وفقاً لتلك الانفعالات، يندفع وراء الشهوات، وراء الرغبات النفسية حتى فيما هو معصية لله -سبحانه وتعالى-، يتقاعس ويتخاذل عن القيام بمسؤولياته التي فرضها الله -سبحانه وتعالى- عليه في كتابه الكريم بكل استهتار، وبلا مبالاة… وهكذا لا يتحرك بناءً على هدى الله -سبحانه وتعالى-.
نجد في نفس سياق هذه الآية المباركة يقول الله -جلَّ شأنه-: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا}، الذين اهتدوا عندما سمعوا هدى الله، تفهَّموا، كانوا مصغين، كانوا مركزين، كانوا حريصين على أن يفهموا؛ ليلتزموا، ليعملوا، فبإصغائهم وتركيزهم استفادوا، وفهموا، واستوعبوا من هدى الله -سبحانه وتعالى-، فالله -جلَّ شأنه- يزيدهم هدايةً، يزيدهم تنويراً، يزيدهم فهماً، يزيدهم بصيرةً، ومع ذلك كما قال -جلَّ شأنه-: {وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}؛ لأن الله يهدينا إلى ما تتحقق لنا به التقوى بمفهومها الواسع، إلى ما يقينا من النار، ما يقينا من سخط الله، ما يقينا من عذاب الله في الدنيا والآخرة، ما يقينا من الهوان، ما يقينا من الخزي، ما يقينا من تسلط أعدائنا علينا، ما يتحقق لنا به الخير في الدنيا والآخرة، ثمرة كبيرة، ونتيجة عظيمة لهدى الله -سبحانه وتعالى- في أثره في الإنسان في نفسه، وفي أثره في واقع حياة الإنسان، كشخص وكمجتمع.
الأمة التي تتحرك على أساس هدى الله -سبحانه وتعالى- أياً كان حجم هذه الأمة: عدد كبير، أو عدد محدود، الله -سبحانه وتعالى- يحقق لها نتائج في واقع حياتها مهمة جدًّا، هو وعد بالنصر، بالعزة، بالكرامة، وعد -جلَّ شأنه- بالتمكين، بالتأييد، بالفلاح، بالخير في الدنيا والخير في الآخرة؛ أمَّا في الآخرة أيضاً فرضوان الله -سبحانه وتعالى-، والجنة، والوقاية من عذاب الله.
فثمرة أن يكون الإنسان مصغياً لهدى الله، ومتفهماً، ومركزاً، وحريصاً على أن يفهم، أن يستوعب؛ ليلتزم، دافعه أن يفهم بهدف الالتزام، لديه هذا الدافع، لديه هذا الهدف؛ فالله -سبحانه وتعالى- يزيده هدايةً.
النتيجة الخطيرة لعدم الإصغاء لهدى الله
أمَّا الآخر الذي لم يكن يصغي، لم يكن يتفهم، لم يكن يركز، لم يكن عازماً على العمل، لم يكن جاداً في الالتزام؛ فإنَّ الله يطبع على قلبه، لاحظوا هذه النتيجة الخطيرة جدًّا: يطبع على قلبه، إذا طَبَع الله على قلبك؛ فقدت تفاعلك مع هدى الله، قسا قلبك، غاب عنه النور الإلهي والهداية الإلهية، فقدت التوفيق من الله في أعمالك، في تصرفاتك، في قراراتك، في مواقفك، أو في الكثير منها، حالة خطيرة للغاية أن يصل الإنسان إلى هذا المستوى.
وقرأنا التحذيرات أيضاً فيما يتعلق بهذا الجانب: إذا لم يتجه الإنسان على أساس هدى الله في الواقع العملي، وفي الالتزام العملي، وفي الطاعة، قرأنا الآيات المباركة من سورة الأنفال، من مثل قوله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}[الأنفال: 20-23].
فنلاحظ هنا كيف أكَّد القرآن الكريم على أن تكون النتيجة لما نسمعه من هدى الله -سبحانه وتعالى- هي الطاعة، هي الالتزام العملي، وإلَّا كانت النتيجة خطيرة علينا، النتيجة هي هذه التي حكاها في القرآن الكريم: أن يخذل الإنسان، أن يكون من شر الدواب على هذه الأرض، إنساناً فقد حتى الاستفادة مما مكَّنه الله به، من المدارك التي تساعده على أن يكون على درجة عالية من الوعي، والفهم الصحيح، والنظرة الصائبة، والتمييز، والإدراك، إذا تفاعل مع هدى الله.
يفقد حتى الإدراك الطبيعي، حتى النظرة الطبيعية في مستواها العادي كإنسان بحجم ما مكَّنه الله، وما أعطاه وزوَّده به من ملكة معرفية، ملكة معينة للمعرفة، من وسائل تساعده على المعرفة، فلا يستفيد من سمعه، ولا من بصره، ويكون كأنه أصم، وكأنه أعمى، وكأنه أبكم، حالة رهيبة جدًّا.
كما لاحظنا أيضاً التحذير الشديد ما بعد هذه الآيات المباركة في قوله -جلَّ شأنه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال: 24-25]، تحذير رهيب جدًّا في هذه الآيات المباركة؛ لأن ما يدعونا إليه الله -سبحانه وتعالى- فيه الحياة لنا على المستوى الشخصي، وعلى المستوى الجماعي، فيه الحياة لنا، حتى على مستوى تربية هذا الإنسان: في تزكية نفسه، في رفع مستوى الإنسانية لديه، في مستوى فهمه، معرفته، نظرته الصائبة، حكمته، رشده، هذه ثمرة مهمة جدًّا تتحقق من خلال العلاقة الإيجابية مع هدى الله، السماع، الالتزام، الطاعة، الاستجابة العملية، ثمرة مهمة، بركة كبيرة في نفس الإنسان، تنمو فيه كل مكارم الأخلاق، تتجذر جذورها في مشاعره ووجدانه، تسمو نفسه، وتزكو، يصبح في اهتماماته يحمل اهتمامات عالية، ونفساً عظيمة، ومشاعر إيجابية، ويمتلك المزيد من الوعي، والفهم، والإدراك الصحيح، والنظرة الصائبة، والحكمة، والرشد، هذا مكسب كبير جدًّا على مستوى نفس الإنسان.
وأمتنا الإسلامية هي في أمسِّ الحاجة إلى ذلك، الخسارة كبيرة جدًّا، كثير من الناس يعيشون حالة أن يطبع الله على قلوبهم، أن يكونوا في نظرتهم وفهمهم متخبطين، لا يمتلكون رؤيةً صائبة، ولا نظرةً صحيحة، المشاكل الكبيرة التي يعاني منها الناس في واقعهم النفسي عندما ينقص زكاء النفس، عندما تفسد النفسيات، عندما تمتلئ النفوس بالأنانيات، والهوى، والمزاج الشخصي، عندما يتحول الإنسان إلى إنسان غريزي، يتحرك بالغريزة كما الحيوان، وفقاً لمزاجه الشخصي: لغضبه، لانفعاله، لرغباته، لشهواته، لمخاوفه، يفقد الرشد، فالقرآن الكريم هو يربينا تربيةً عظيمة، تربيةً مهمة، وفيه الحكمة، وفيه النور، وفيه الهداية.
ما بعد الشهر الكريم.. الحرص على الاستقامة
فالمحصلة التي ينبغي التركيز عليها هي: التقوى والهدى، وأن نحرص ما بعد شهر رمضان على الاستقامة لما نكون قد استفدناه في هذا الشهر المبارك من التزام عملي، وتقوى لله -سبحانه وتعالى-، الاستقامة، الاستمرارية بشكل صحيح، بالتزام، فيما بعد شهر رمضان المبارك، الله -سبحانه وتعالى- يقول في القرآن الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}[فصلت: 30-32]، ضيافة إلهية، الجنة وما فيها من النعيم العظيم الدائم والأبدي، ثمرة للاستقامة.
يقول الله -جلَّ شأنه- أيضاً: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأحقاف: 13-14]، فليحرص الإنسان على الاستقامة فيما بعد، وأن يكون منيباً إلى الله عند كل زلل، عند كل تقصير، عند كل خطأ، وأن يكون مهتماً بالاستغفار والعودة إلى الله -سبحانه وتعالى-، وأن يسعى للحفاظ على ما قد استفاده من هدى الله من أثر إيجابي في زكاء نفسه، وفي استقامته العملية، وفي الاستشعار للمسؤولية؛ لأن من أهم ما يتركه هدى الله فينا من أثر هو في هذه الجوانب: أثر في زكاء النفس، والاستقامة العملية والسلوكية والأخلاقية، وأثر في استشعارنا للمسؤولية، وهذا من أهم الجوانب التي يغفل عنها الكثير من الناس: مسؤوليتنا في هذه الحياة، كيف يكون الإنسان مجاهداً في سبيل الله، مساهماً بشكلٍ حقيقي في العمل على إقامة الحق، وإقامة العدل، ومواجهة الطغيان، والظلم، والباطل، والعدوان، هذا جانب مهم جدًّا.
من الأشياء التي ينبغي أيضاً العناية بها والاستمرار في الاهتمام بها ما بعد شهر رمضان المبارك: الحفاظ على الصلاة: البعض مثلاً في شهر رمضان يحافظون على الصلاة، ويهتمون بها، ما بعد شهر رمضان خصوصاً بعض الفرائض مثل صلاة الفجر البعض ينام عنها، ومثل صلاة المغرب والعشاء، البعض قد يؤخرها، ويدمن على تأخيرها لغير ضرورةٍ ملجئة، تصبح عادةً يستمر عليها؛ من أجل القات مثلاً عندنا في اليمن، وهذه قضية خطيرة.
الصلاة مهمة جدًّا، ولها أثرها العظيم والتربوي في تزكية النفس، وفي شدنا إلى الله -سبحانه وتعالى-، وتذكيرنا بالله -سبحانه وتعالى-، وهي أول ما في هذا البرنامج: برنامج تزكية النفس، وجعلت محطةً متكررةً على مدى اليوم والليلة في أوقات متعددة بشكلٍ إلزامي؛ لكي تقدِّم هذا العطاء للإنسان في تزكية نفسه، وتطهير نفسيته، وتذكيره بالله؛ لحاجتنا إلى ذلك، أخطر حالة علينا هي الغفلة عن الله -سبحانه وتعالى-، وهي التراكم لما يؤثِّر على زكاء النفس من أعمال سيئة وتأثيرات سيئة، عندما يتراكم يترك تأثيره الكبير على المستوى النفسي.
فريضة الزكاة والاهتمام بالتكافل الاجتماعي
من الأشياء المهمة التي ينبغي العناية بها ولها أهمية كبيرة على المستوى التربوي، وعلى مستوى تزكية النفس، وعلى المستوى الاجتماعي… وعلى مستويات واسعة جدًّا: الزكاة: والزكاة كما الصلاة ركنان من أركان الإسلام، وعادةً يقرنهما الله -سبحانه وتعالى- في كثيرٍ من الآيات في القرآن الكريم: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، يتكرر الأمر بهذا: بالاقتران بينهما (أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)، أيضاً أتى التأكيد عن النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- أنها: (لا تقبل صلاةٌ إلا بزكاة)، فمن يفرط في هذا الحق الشرعي ممن عليه هذا الحق، ممن تلزمه زكاة، لا تقبل منه صلاته، لا تقبل منه صلاته أبداً، بل يعتبر من أكبر المذنبين، مخلاً بركنٍ من أركان الإسلام، ومرتكباً لجرمٍ عظيم، وللأسف البعض من الناس يتهاونون في ذلك، أو البعض يأخذ قسطاً من الزكاة، ويدفع قسطاً منها، ويأكل القسط الآخر، وهذا جرمٌ عظيم، يتحمل الإنسان به الوزر والإثم، ولا يقبل الله منه أي عملٍ من أعماله، حتى الصلاة لا تقبل منه كما أكد النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، وكما في القرآن الكريم: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة: من الآية27].
الزكاة لها أهمية كبيرة على مستوى تزكية النفوس، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة: من الآية103]، لتطهير نفسيه الإنسان، ولها أهمية كبيرة في البركة والرزق والخير من الله -سبحانه وتعالى-، ولدفع الكثير من المصائب والنقم، ومع أن الله -سبحانه وتعالى- أنعم علينا بنعم كبيرة والأمطار الغزيرة، فمن الشكر أيضاً لنعمة الله -سبحانه وتعالى- أن تخرج الزكاة، ألَّا تبخل بها، ومن التنكر والكفران لنعمة الله -سبحانه وتعالى- أن تبخل حتى بالزكاة، بعد أن يمنَّ الله بالأمطار الغزيرة والنعمة الكبيرة.
الزكاة لها أهمية كبيرة جدًّا على المستوى الاجتماعي فيما بين الناس، ما بين الأغنياء والفقراء، ولها أهمية كبيرة؛ لأنها في مقدمة ما يفيد في التكافل الاجتماعي ومعالجة مشكلة البؤس والفقر، والمعاناة التي يعانيها الفقراء، نحن كررنا في كثير من المحاضرات أننا على يقين أن الناس إذا أخرجوا زكاتهم، وأدوا هذا الواجب كما ينبغي بشكلٍ تام، فإن الله سيغني هذا الشعب عن الحاجة إلى المنظمات وما تقدمه، سيغني الله هذا الشعب، وسيتوفر للفقراء ما يسد خلَّتهم، ما يسد حاجتهم الضرورية، بدلاً عمَّا تقدمه المنظمات بمقابل شروط وبإجحاف، وباستغلال كبير جدًّا، وبأهداف سلبية للغاية، لا يجوز أبداً التفريط في هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، المعصية في هذا تعتبر من أكبر المعاصي والذنوب، قد تسبب للإنسان مصائب كبيرة في حياته، وخذلاناً كبيراً، وعقوبات كبيرة، ثم وراء ذلك جهنم- والعياذ بالله- جهنم، قضية خطيرة للغاية.
ثم أكثر من الزكاة، مسألة الصدقات، التكافل الاجتماعي: الصدقات، والعناية بالفقراء، والمواساة للفقراء والمحتاجين، من أسباب الخير والبركة والفضل والأجر والقربة إلى الله -سبحانه وتعالى-، وتكفير السيئات، ودفع المصائب، لها فوائد كثيرة جدًّا، فينبغي العناية بذلك، والاستمرار في الاهتمام بذلك.
الالتزام بالتقوى والحذر من المعاصي
ثم أيضاً مما ينبغي الانتباه إليه فيما بعد شهر رمضان المبارك: الحذر من الفساد والمعاصي: ومن المهم أن يسعى الناس إلى معالجة مشكلة صعوبة الزواج، بسبب التكاليف المرهقة، ينبغي أن يتعاون الناس في مختلف المناطق على تخفيض هذه التكاليف، وعلى ضبط هذه التكاليف؛ حتى تكون في مقدور الشباب؛ ليتزوج الشباب والشابات، وهذا يساهم في دفع الكثير من الفساد.
وفي نفس الوقت لا بدَّ من الالتزام بتقوى الله، والحذر من خطوات الشيطان التي تساعد على الفساد: منها الدخول في علاقات محرمة، منها ما قد يحصل أحياناً عبر المراسلات بالجوالات، أو في مواقع التواصل الاجتماعي، من مغازلة، من دخول في ارتباطات وعلاقات محرمة، تصل إلى درجة الوقوع في الفساد والعياذ بالله، هذا مما ينبغي الحذر منه.
القرآن الكريم حذَّر من اتباع خطوات الشيطان، وهذا ما يسد الطريق على الشيطان في تأثيره على الإنسان، إذا لم يدخل الإنسان في الخطوات التي تأخذ بالإنسان، وتنزلق به- في نهاية المطاف- وتوقعه في الفساد، الإنسان ليحذر من البداية.
كذلك في واقعنا الاجتماعي الحذر– بالنسبة للنساء- من التبرج، السفور، محاولة الإغراء، كل الأساليب التي تساعد على الوقوع في الفساد، يجب الحذر منها وتقوى الله -سبحانه وتعالى-.
مسؤوليتنا في التصدي للعدوان على كل المستويات
مما ينبغي أيضاً الالتفات إليه: فيما يتعلق بمسؤوليتنا في التصدي للعدوان: نحن شعبٌ نواجه عدواناً ظالماً، عدواناً بإشرافٍ أمريكي، وتعاونٍ إسرائيلي، ومباركةٍ إسرائيلية، والموقف الأمريكي والإسرائيلي واضحٌ وصريحٌ ومعلنٌ، وهو قولٌ، وهو فعلٌ أيضاً، بالقول وبالفعل، والأدوات التي تنفذ هذا العدوان، سواءً على مستوى النظام السعودي، أو النظام الإماراتي، أو المرتزقة الخونة من أبناء البلد، هم أدوات تنفيذية، هم يعملون لخدمة الأعداء، وهم يرتكبون أبشع الجرائم بحق هذا الشعب، ويرتكبون أكبر المنكرات، واجبنا الإيماني، والديني، والأخلاقي، والإنساني، والفطري، والوطني، بحساب الوطنية أيضاً: أن نتصدى لهذا العدوان بكل ما أوتينا من قوة، بكل جد، بكل عزم، وأن نحذر من التقصير في ذلك، وأن نتحرك على كل المستويات:
على المستوى العسكري: لدعم الجبهات بالرجال وبالمال، وأن تكون وتيرة التحشيد وتيرة نشطة وقوية. على مستوى القوافل والدعم المادي: أن نبذل كل ما نستطيع مما رزقنا الله -سبحانه وتعالى-. على مستوى الوضع الاقتصادي: أن يهتم الناس في هذا الجانب بالإنتاج الداخلي، وأن يسعوا إلى جودة المنتج الداخلي، الاهتمام المستمر بالزراعة، وعدم استهلاك ما بقي من المزارع في القات، الحرص على زراعة المحاصيل (الحبوب) بشكلٍ أكبر، والتفاعل مع كل ما من شأنه أن يساهم في زيادة المحصول الزراعي: التنسيق مع وزارة الزراعة، مع اللجنة الزراعية أيضاً، المبادرات الذاتية، التعاونيات التي تنشط بهدف تحقيق نشاط كبير وعمل منظم للنهضة بالجانب الزراعي.
كذلك فيما يتعلق بالصناعة: التجار الذين يستوردون كل شيء للمجيء به إلى هذا البلد بالدولار من خارج البلد، حتى الملخاخ، حتى الصلصة… حتى أبسط الأشياء، عليهم أن يراجعوا حساباتهم، أن يفكروا وأن يستشعروا المسؤولية أمام الله -سبحانه وتعالى-، وأن يتجهوا للتصنيع في البلاد، وللإنتاج في البلاد، هذا له مزايا كبيرة جدًّا، هو أقل كلفة، وأقل تعباً، وخروج عن تعقيدات الاستيراد مع الحصار، ومع مشاكل الحصار، ثم هو الذي سيساهم على النهضة بالبلد.
المزارعون عليهم أن يتقوا الله، وأن يحذروا من المبيدات والمكافحات الضارة والمهلكة والمدمرة، التي لها آثار سلبية حتى على الزراعة فيما بعد، البعض قد يفيد لوقت محدود، قد يساهم مثلاً في زيادة وتيرة المحاصيل الزراعية، لكن لفترة مؤقتة، ثم هو يلوث الزراعة نفسها (الأشجار، النباتات)، ويلوث التربة، فيما بعد يؤثر حتى على التربة، أن يحذروا من ذلك، وأن يهتموا، وأن يجدوا فيما يتعلق بالجودة في الإنتاج الزراعي، أن يلحظوا ذلك في كل المراحل، منذ المراحل الأولى، سواءً على مستوى المحاصيل الزراعية، كالفواكه مثلاً، أو غيرها كالحبوب وغيرها من المحاصيل والطماطم، والبطاط… وغيرها، من البقوليات كذلك. أن يحرصوا على الجودة في الإنتاج، وأن يحسنوا عملية جمع هذه المحاصيل، جني هذه المحاصيل، تسويق هذه المحاصيل بطريقة تساعد على سلامتها، وأن يحرصوا على أن تكون قد نضجت، قد أصبحت جاهزة، هذا الاتقان هو من العمل الصالح، وهو مسؤولية إيمانية ودينية، وفي نفس الوقت عامل في النهضة الاقتصادية.
وهكذا في كل ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية، نحتاج إلى عناية وجد، وأن نجعل هذا جزءاً من جهادنا، جزءاً من عملنا الصالح، جزءاً مما نتقرب به إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ حتى نكون أمةً قويةً، لديها اقتصاد قوي، لديها إنتاج، تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وليس فقط أمةً مستوردة ومستهلكة، هذا ما يريده أعداؤنا، وهذا أيضاً هو من الغبن والخسران: أن نكون فقط معتمدين على أن نستورد ونستهلك، لا ننتج، لا بدَّ من الاهتمام في الجانب الاقتصادي بالإنتاج.
سلبيات الهجرة من الأرياف والتكدس في المدن
وأيضاً على المستوى الزراعي والمستوى العملي: أن نتنبه من خطورة التكدس والهجرة من الريف إلى المدن: من أكبر المشاكل، ومن أكبر السلبيات أن يهاجر الناس من الأرياف لغير ضرورة، وأن يتكدسوا في المدن، وفي المقدمة صنعاء، لربما الملايين قد هاجروا خلال هذه السنوات إلى صنعاء وقطنوا فيها، ربما البعض لهم عذرهم: من محافظات محتلة، من مناطق قد تكون في مناطق الاشتباك والقتال، لا يستطيعون الاستقرار فيها، لكن البعض قد يكون أيضاً ذهب هكذا لمجرد الراحة (طلب الراحة في المدينة)، وترك منزله في الريف، وترك مزارعه في الريف، ليس هناك ظروف عسكرية، أو لظروف الحرب أجبرته مثلاً على أن يهاجر، وليس هناك أيضاً ظروف عملية فرضت عليه أن يستقر في منطقة معينة أو في مدينة معينة، وترك المزارع، والبعض ترك الثروة الحيوانية، واستقر داخل صنعاء في شقة.
هذه قضية خطيرة على الناس، لها أضرار كبيرة؛ لأن لها أعباء اقتصادية، أنت عندما تهاجر من منزلك إلى شقة في صنعاء مثلاً تتحمل عبء الإيجار، أضفت عبئاً اقتصادياً، التزاماً مالياً إضافياً على نفسك، أو حملته الآخرين إذا كان على غيرك، على حساب أشياء أخرى ستكون مهمة ومفيدة، في نفس الوقت أنت تعطل دورك الإنتاجي، لا تشتغل في مزرعة، لم يبقَ لديك ثروة حيوانية: لا أغنام، ولا أبقار، ولا حتى الدجاج، وأصبحت فقط تعيش التزامات مالية وكلفة في المعيشة؛ لأن كلفة المدينة في المعيشة أكبر من الكلفة في الريف، فهذا له تأثيرات سلبية جدًّا، هذا يقلل من الإنتاج، يتحول الملايين من الناس إلى غير منتجين، إلى عبء على أنفسهم وعلى غيرهم، وتصبح حياتهم حياة صعبة، وقد يلجأ البعض إلى أسباب محرمة، أو وسائل غير مشروعة، بهدف الحصول على المال؛ ليغطي التزاماته المعيشية، احتياجاته لأسرته، وهذه قضية خطيرة جدًّا.
يمكن للبعض- إذا اضطروا للهجرة- أن يهاجروا إلى أماكن يتاح لهم فيها أن يواصلوا نشاطهم الزراعي، أو نشاطهم في تربية الثروة الحيوانية، ومن المهم العناية بتربية الثروة الحيوانية، للأسف الشديد هناك تقصير كبير في هذا الجانب، في الماضي كنا أكثر وأحسن حالاً من الآن بكثير، كانت الكثير من الأسر تمتلك الدجاج، البقر، الغنم، هذه ثروة مهمة، من أهم الثروات، والآن الكثير لم يعد لديه لا أبقار، ولا أغنام، ولا دجاج، ويصبح حتى توفير البيض من المتطلبات التي لا بدَّ منها من الخارج بالدولار، وكأننا شعب لا يمكن أن يربي حتى بقرة، ولا دجاجة، ولا ينتج حتى أبسط متطلبات الحياة.
من العار، ومن الإثم، ومن التقصير، ومن الغبن أن يتجه الناس بهذا الشكل بشكل مستمر، أن يتحولوا إلى أمة غير منتجة، لا تنتج حتى البيض، لم تعد تمتلك حتى الدجاج، ولا أغنام، ولا أبقار، ولا تنتج زراعة… ولا أي شيء، هذه قضية خطيرة جدًّا، لنحرص على أن نبقى أمةً منتجةً، وأن يكون هذا جزءاً من اهتماماتنا الدينية، كما قلت: من جهادنا، من عملنا الصالح الذي نتقرب به إلى الله؛ لكي نكون أمةً قوية، لربما كلما تقوى الإنتاج الداخلي كلما قل احتياجنا إلى الشراء من الخارج (إلى الاستيراد)، هذا يخفف حتى من الضغط على العملة، من ارتفاع الدولار، من ارتفاع الأسعار، وفي نفس الوقت له آثار وأهمية، وهو مسألة استراتيجية، يجعل منَّا أمةً قويةً في موقفها، وفي مواجهة أعدائها، وفي تحملها للصراع، ولأعباء هذا الصراع، هذه من المسائل المهمة.
الاستفادة من الأمطار في زراعة الحبوب: هذه مسألة مهمة جدًّا، وسيقدم علينا، أو قد أتى- أصلاً- الموسم، وربما في بعض المناطق سيأتي قريباً موسم ووقت البذر للذرة، وهذه فرصة كبيرة جدًّا، على نعمة المطر، هذا شيء مهم جدًّا، والعناية به مسألة مهمة جدًّا.
الاهتمام على المستوى الثقافي والتوعوي مهم جدًّا، وأن يتحرك المعنيون بذلك بشكلٍ مستمر في الريف، في المدن، العناية بهذا الجانب مسألة مهمة، والتربويون كذلك.
مما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار في هذا الظرف بالتحديد: الحذر من وباء كورونا: وباء كورونا الذي دخل إلى البلد، لم تتم عملية الضبط للمنافذ والدخول والخروج بالشكل المطلوب، كان هناك ضغط كبير جدًّا، كان هناك حتى عملية تهريب، ووصل هذا الوباء إلى البلد، ينبغي أخذ الحيطة والحذر، ومن دون فزعٍ وترويع؛ لأن الحالة المعنوية من أهم متطلبات مواجهة هذا الوباء، يجب أن تكون الحالة المعنوية عالية جدًّا، مع الالتجاء إلى الله -سبحانه وتعالى-، مع العمل بطاعة الله، وتقوى الله -سبحانه وتعالى-، والالتزام العملي، والحذر من المعاصي، والحذر من الفساد، وفي نفس الوقت الأخذ بعين الاعتبار البعض من الإجراءات المطلوبة في التوقِّي والحذر من هذا الوباء.
نصل- في نهاية المطاف- إلى الحث على إخراج الفطرة (فطرة العيد): فطرة العيد هي من الواجبات المهمة جدًّا، ولها أهمية كبيرة في ألَّا يكون أحدٌ من الفقراء جائعاً في يوم العيد؛ لأنه من البؤس الشديد، وممَّا يعبِّر عن ضعف في التكافل فيما بين أبناء المجتمع المسلم، عندما يكون البعض يعيشون في يوم العيد وحاجتهم متوفرة وزادهم متوفر، والبعض لا يمتلك حتى القوت، حتى ما يأكل، فإخراج الفطرة هي مسألة مهمة جدًّا، ولها علاقة مهمة جدًّا بتكفير ما قد يكون الإنسان قصَّر فيه في شهر رمضان، لها إيجابية على هذا المستوى، وزيادة لتطهير نفسية الإنسان، وتتمة مباركة لفريضة الصيام، فليحرص الجميع على إخراج الفطرة؛ لمواساة الفقراء في يوم العيد.
كذلك الفهم لمعنى العيد، وأنه ابتهاج، واحتفاء بتوفيق الله -سبحانه وتعالى- لإكمال هذه الفريضة المهمة جدًّا، وهو شكر لله -سبحانه وتعالى- على ما هدى إليه، ولذلك تأتي صلاة العيد وفيها التكبير المتكرر، وفقاً لقول الله -سبحانه وتعالى- في آيات الصيام: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة: من الآية185]، فنحن في العيد نبتهج بأن الله وفقنا لأداء هذه الفريضة ومنَّ علينا بذلك، ومنَّ علينا بهذه الفريضة المباركة، وبصيام شهر رمضان وقيامه، وما فيه من البركات والخيرات، والآثار الإيجابية النفسية والمعنوية.
ختاماً نتوجه إليكم جميعاً أيُّها الإخوة والأخوات، إلى كل أبناء أمتنا الإسلامية، إلى المجاهدين المرابطين في الجبهات بالتهاني والتبريك بقدوم عيد الفطر المبارك…
ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يبارك لنا ولكم في يوم عيدنا وفطرنا، وأن يتقبل منا ومنكم صيام هذا الشهر وقيامه، إنه سميع الدعاء، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛