...

الهجرة والثورة

أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَلِكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أَنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عَبْدُه ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعلى سائر عبادك الصالحين.

أيُّها الإِخْوَةُ والأخوات، شعبنا اليمني المسلم العزيز:

السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛

نتوجه بالتبريك والتهاني لشعبنا العزيز، ولكافة أمتنا الإسلامية بمناسبة قدوم العام الهجري الجديد، كما نتوجه إلى شعبنا- أيضاً- بالتبريك والتهاني بمناسبة حلول ذكرى الحادي والعشرين من سبتمبر، الثورة المجيدة التي أعادت الاعتبار والكرامة لشعبنا اليمني.

في هذا العام تزامن كلٌ من: ذكرى الهجرة النبوية، وكذلك ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، وهذا التزامن يمكن أن نستفيد منه في مواجهة التحديات التي يواجهها شعبنا، وهو يتصدى لهذا العدوان الظالم، من قبل القوى المستكبرة، الطاغية في الأرض، المفسدة في الأرض.

الهجرة النبوية.. الدلالات والعبر

الهجرةُ النبوية: حدثٌ عظيمٌ على مستوى العالم بأسره، وكان اختيارها للتاريخ الإسلامي لما ترتب عليها من نتائج وما تحمله- أيضاً- من دلالات مهمة، الهجرة النبوية كانت ميلاداً لكيان الأمة الإسلامية، وكانت نقلةً جديدةً في تاريخ الإنسانية، وكانت بدايةً لمرحلةٍ جديدة؛ بفعل هذه الهجرة التي تأسس من خلالها الكيانُ الإسلاميُ العظيم.

الهجرة تحمل دلالاتٍ مهمة، فيما يتعلق بالنبي -صلوات الله عليه وعلى آله- وحركته لإقامة رسالة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في الأرض، فيما يتعلق- أيضاً- بالمجتمع المكي، فيما يتعلق- أيضاً- بالكيان الإسلامي والأمة الإسلامية والدولة الإسلامية، واليوم وأمتنا تواجه ما تواجهه من التحديات، وفي مقدمتها شعبنا اليمني، نحنُ في أمس الحاجة للاستفادة من تلك الدلالات ومن تلك الدروس، نحن في أمس الحاجة للتزود من هذه المحطة التاريخية الكبرى.

نحن أمة رسول الله محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- نحن أمة الإسلام، نحن أمة القرآن، الإسلام كمنظومةٍ عظيمةٍ مقدسةٍ من المبادئ والقيم الإلهية، التي نؤمن بها، وندين بها، ونعتنقها، ونعتقدها؛ نحن في أمس الحاجة إلى العودة إليها، بقدر ما وجدنا وما عرفنا من أثرها العظيم في تلك المرحلة التاريخية، التي بزغ فيها فجر الإسلام، والتي كان فيها ميلاد الأمة وميلاد كيان الأمة الإسلامية، كيف كان ذلك الأثر العظيم الذي غيّر وجه العالم بأسره، واستأنفت به البشرية مرحلةً مستجدةً عن ماضيها وعن ظروفها التي كانت تعيشها.

الواقع اليوم الذي تعيشه أمتنا بكلها، بكل ما فيه من: مآسٍ، وويلاتٍ، ونكباتٍ، ومحنٍ، وفتنٍ، وحروبٍ، بكل ما فيه من مشاكل وأزمات، بكل ما فيه من خلافات وصراعات وتباينات، بكل ما قد حدث فيه نتيجة التراجع الكبير في الواقع البشري عن قيم الأنبياء، وعن المبادئ والتعليمات الإلهية، التي أتى بها رسل الله وخاتمهم محمد -صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين- الجميع اليوم بحاجة إلى الاستذكارـ وإلى الاعتبار، وإلى الرجوع الجاد نحو تلك المبادئ، وتلك القيم، وتلك السيرة العملية.

الرسول محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- خاتم النبيين، وسيد الرسل، وأكرم ولد آدم، وأرقى البشرية فيما كان عليه من الكمال الأخلاقي والقيمي، وهو يحمل رسالة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- رسالة الحق، الرسالة الهادية للبشرية، والمنقذة والمخلصة للبشرية جمعاء، هو رحمة الله للعالمين، أتى بالحق من عند الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وأرسله الله بالحق، وكانت حركته بكلها قائمةً على أساسٍ من الحق، حقٌ في أصلها، وحقٌ في تفاصيلها، وخيرٌ للبشرية جمعاء، بالرغم من كل ذلك كان لا بد له أن يتحمل المسؤولية، أن يواجه التحديات، أن يواجه الصعوبات القاسية والكبيرة، أن يتحمل الكثير من المعاناة، وأن يضحي، وكان لا بد له- أيضاً- أن يهاجر، عندما وصل به الحال في مجتمع مكة إلى الواقع المسدود، انسدّت الآفاق هناك في ذلك المجتمع الذي لم يتوفق الكثير فيه لهذا النور، لهذه الهداية، لهذا الشرف الكبير، لهذه المسؤولية المقدسة؛ لعوامل كثيرة تحدثنا عنها في المناسبات الماضية.

كل الأنبياء اضطروا لخوض الصراع ضد الطغيان

الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- لم يكن بالإمكان، وبالاستناد إلى قداسة مسؤوليته، وقداسة الحق الذي يحمله، وعظمة الهدى والنور الذي أتى به، وما كان عليه هو فيما تمثله من ذلك الحق ومن تلك الرسالة من قيم، ومن أخلاق، ومن مبادئ؛ فيما التزم به من تعليمات عظيمة، ومقدسة، ومثالية، وراقية، وإيجابية؛ لم يكن بإمكانه أن يحقق النجاح في واقع هذه الحياة من دون صعوبات، من دون متاعب، من دون تضحيات، من دون مواجهة تحديات… لا له ولا لكل الأنبياء الذين سبقوه، الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- قال في كتابه الكريم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً }[الفرقان: الآية31]، الأنبياء الذين هم صفوة البشر، و هم الذين وصلوا إلى أرقى مستوى من الكمال الأخلاقي والإنساني، والارتقاء السلوكي، إضافةً لما حملوه من الخير للناس جميعاً، ومن الأداء العملي الراقي والحكيم، كان لا بد لهم أن يواجهوا المصاعب والمتاعب، وكان لا بد لهم أن يخوضوا خضم المسؤولية وأن يواجهوا الأعداء؛ كان لهم أعداء من المجرمين، وبدون استثناء، لم يكن هناك أيّ نبيٍ من أنبياء الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- إلا وكان في مقابله من يعاديه، من يعادي دعوته، من يتصدى له؛ وبالتالي يدخل في سلسلة من المشاكل، ويواجه حالة الصراع، ويعيش جو الصراع، ويحتاج إلى كل ما يحتاجه الناس في الصراع، من: معاناة، وتضحية، وصبر…الخ. {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ}، يعني: بدون استثناء، ما كان هناك استثناءات مع أي نبي من أنبياء الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-.

الأوس والخزرج نموذج الصبر والتضحية

الرسول -صلوات عليه وعلى آله- هاجر، بكل ما تحمله الهجرة وتُعبِّرُ عنه من تضحيه، من صبر، ومن سعيٍ دؤوبٍ وجاد في عمله، وفي تحمله للمسؤولية، وفي سعيه لإقامة دين الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وبناء الكيان الإسلامي العظيم.

الدرس الآخر، كان- أيضاً- في ذلك المجتمع الذي هاجر إليه النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- في مقابل مجتمع لم يتقبل أكثر أبنائه الدعوة الإسلامية، بالرغم من عظمتها، وقيمها، أهميتها، ثمرتها، فائدتها، ايجابيتها الكبيرة في الحياة، ولكن كانوا كما قال الله عنهم: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} [يس: من الآية7]، الكثيرون منهم، الأغلبية الساحقة فيهم كانوا قد وصلوا إلى درجة سيئة جدًّا من الخذلان وعدم التوفيق؛ بما انحطوا بسببه ما وصلوا إليه من حالة الانحطاط، والإفلاس القيمي والأخلاقي، والتشبث بالباطل، والارتباط الشديد جدًّا بالطاغوت والمستكبرين والفاسقين… أما المجتمع الآخر الذي هاجر إليه النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- مجتمع يثرب، وكُلٌ من قبيلة الأوس والخزرج، القبيلتان اليمانيتان (من أصولٍ يمنية)؛ فكان مجتمعاً وفّق لاستقبال هذه الرسالة الإلهية.

الأوس والخزرج: قبيلتان، ومجتمع محدود في عدده: بضعة آلاف من الناس، في نطاق جغرافي محدود، كان لديهم الاستعداد الكامل أن يتقبلوا هم تحملّ المسؤولية العظيمة في حمل الرسالة الإلهية؛ إيماناً بها، والتزاما بها، وسعياً لإعلائها، وجهاداً في سبيلها، واستعداد عالٍ للتضحية، واستعداد كبير للعطاء، في محيطٍ عالميٍ كلهُ قد طغى فيه الظلم والظلام والجاهلية، يعني: كان أولئك، وكان ذلك المجتمع المحدود، الذي يتشكل من بضعة آلاف، أما محاربوه المخلصون والصادقون فمن مئات من المقاتلين، ذلك المجتمع في منطقة محدودة كان في وسط واقعٍ كبير، وسطٍ عالميٍ ومحليٍ طغى فيه الظلم والظلام والكفر والعداء الشديد لهذه الرسالة العظيمة، وهذا المجتمع يدرك أن حمله للواء هذه الرسالة واستجابته لها سيترتب عليه مسؤوليات كبيرة ونتائج كبيرة، ولا بد له أن يخوض الصراع المرير والكبير مع كثيرٍ من القوى الموجودة في الساحة آنذاك، مع وعيه بكل ذلك أسلم، وآمن، وجاهد، ونصر، وآوى، وانتماؤه لهذه الرسالة كان انتماءً واعياً وانتماءً مسؤولاً، لم يفهم أولئك أن الانتماء لهذا الإسلام كما هي الحالة السائدة في عالمنا اليوم وفي عصرنا هذا وفي عصور متأخرة كثيرة منذ ما بعد تلك الفترة، لقد فهموا هذا الانتماء فهماً واعياً؛ ولذلك كانوا منذ اللحظة الأولى التي آووا فيها ونصروا فيها سمّوا بالأنصار، وليس فقط بالمسلمين، هم المسلمون، وفي نفس الوقت، ومن أتى إليهم أووا إليهم من المهاجرين، ولكن- في نفس الوقت- سُمّوا بالأنصار؛ لأن الانتماء الواعي لهذا الإسلام ليس انتماء الإنسان الذي يتنصل دائماً عن المسؤولية، انتماء الإنسان الذي لا يعي القيمّ الأساسية والمبادئ الرئيسية في هذا الإسلام ولا ينطلق على أساسٍ منها، بل يكون انتماؤه انتماءً شكلياً فارغاً، بعيداً عن المبادئ الرئيسية والمسائل المهمة.

مبدأ التوحيد ومساعي قوى الطاغوت لاستعباد البشر

إن من أعظم ما في الإسلام، والمبدأ الرئيسي فيه، هو: مبدأ أن لا عبودية إلا لله، أن لا إله في هذا الكون والوجود إلا الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- إن المبدأ الأساس هو الذي تحدثت عنه الآية القرآنية: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا} [البقرة: من الآية256]، يقوم الكيان الإسلامي على أساس هذا المبدأ العظيم، أن المنتمين لهذا الدين اتجهوا في مسار حياتهم بكله من هذه القاعدة الأساسية، من هذا المبدأ العظيم والمهم؛ فلا يقبلوا أبداً بالعبودية لأي أحدٍ مهما كان، وليكون لهم موقفٌ حاسم من كل قوى الطاغوت التي تؤله نفسها وتفرض نفسها على البشرية، من كل الذين يتخذهم الناس أنداداً من دون الله، من كل الأصنام الحجرية والأصنام البشرية أيضاً، فلا إله إلا الله، ولا عبودية لأحد إلا لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- الواحد الملك القهار ربِ العالمين، وهذا يبنى عليه واقع الأمة، إذا كان انتماؤها لهذا انتماءً واعياً وانتماءً جاداً وصادقاً، تبنى عليه كل مواقف الأمة: سياساتها، مسار حياتها؛ فيبنيها أمةً حرة، لا تركع إلا لله، ولا تخضع إلا لله، ويستحيل على كل قوى الطاغوت في هذا العالم أن تستعبدها وأن تخضعها لهيمنتها، وهذه قيمة كبيرة جدًّا للإسلام، تحتاج إليها البشرية، وما من بديلٍ عنها إلا العبودية للطاغوت، وهذا كان ما ركزت عليه الرسالة الإلهية في كل مراحل تاريخ البشرية، في كل أمةٍ بعث الله إليها رسولاً، كان جوهر الرسالة الإلهية: {أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}[النحل: من الآية36].

اليوم، من أكبر المشاكل التي تعيشها أمتنا، هو سعي قوى الطاغوت المستكبرة، وعلى رأسها أمريكا، بكل أذرعها في المنطقة، وفي مقدمتها إسرائيل، ثم من الّتف حولها من عملائها المنتسبين إلى هذه الأمة، من أكبر المشاكل سعي قوى الطاغوت لاستعبادنا في هذه الأمة، للسيطرة المباشرة علينا، والهيمنة المطلقة الكاملة علينا؛ فلا نمتلك حريتنا، بل يكون لهم هم أن يفرضوا علينا، في كل شئون حياتنا، ما يشاءون ويريدون فيما يلبي رغباتهم، وفيما يتطابق مع أهوائهم السيئة، أهوائهم التي لا تنسجم ولا تتفق أبداً مع مبادئنا، ومع قيمنا، ومع أخلاقنا العظيمة في هذا الإسلام العظيم؛ ولذلك نجد أنفسنا اليوم، بعد زمن طويل، ونحن اليوم ندخل في العام التاسع والثلاثين بعد الألف وأربعمائة عام من الهجرة النبوية، نجد أنفسنا اليوم بحاجة ماسة إلى أن نرسخ في وجداننا، وفي أعماق قلوبنا ومشاعرنا، وفي واقع حياتنا هذا المبدأ المقدس، هذا المبدأ العظيم والمهم (لا إله إلا الله)، بكل ما تعنيه (لا إله إلا الله)؛ فتكون (لا إله إلا الله) محررةً لنا في واقع حياتنا، وحصناً حصيناً من كل أشكال العبودية، من كل أشكال الهيمنة والاستغلال من قوى الطاغوت وقوى الاستكبار، نحتاج اليوم في هذه المرحلة إلى هذا المبدأ العظيم؛ لنتمكن من خلاله وبالاستناد إليه بكل ما يعطيه هذا المبدأ: من قيم، من معنويات، من آثار عظيمة، بكل ما يمثله من صلةٍ لنا بالله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- صلة نستمد من خلالها من الله المعونة، والقوة، والتأييد، والرعاية، والهداية، والنصر، لمواجهة كل التحديات من تلك القوى المستكبرة والظالمة، وفي مواجهة كل مكائدها وجبروتها وظلمها وطغيانها.

واقع الأمة.. خلل كبير ونتائج كارثية

اليوم المشاكل التي تواجهها أمتنا هي مشاكل لا فكاك عنها إلا بتحمل المسؤولية والتحرك الجاد والواعي لمواجهتها والتصدي لها، لا يمكن لنا أن نتنصل عن المسؤولية، وأن نُعفيَ أنفسنا بالتالي من كل هذه التبعات تجاه هذه الأخطار والتحديات، أخطار كبيرة، وتحديات كبيرة. اليوم هذه الحروب التي نعاني منها، كل هذه الفتن، كل هذه الأحداث، كل هذه المؤامرات التي تستهدفنا شئنا أم أبينا، لا بد لنا من التصدي لها، أو أن ننحني لها فتسحقنا سحقاً ولا تُبقي ولا تذر، مشاكل لم تأتِ وفق رغبتنا، أحداث وتحديات عصفت بأمتنا، لم تأتِ بطلبٍ منّا أو برغبةٍ منّا. |لا| اعتداءات، مكائد هندس لها أعداؤنا، لنا علاقة بها، أمتنا اليوم لها علاقة بكل ما يحدث عليها، ليس كل الإشكال منحصراً في طبيعة الدور الأجنبي والخارجي، هو دورٌ أساسٌ، ولكن هو مستثمر، هو مستفيد، ولكن واقع الأمة، الاختلالات الكبيرة في واقع الأمة على مدى قرونٍ من الزمن، وتفاقمت في الآونة الأخيرة، وتعاظمت في الآونة الأخيرة، تراكمات من الخلل عظمت وازدادت وكبرت في واقع الأمة، وصحِبتها تداعيات لها ونتائج لها تتعاظم- أيضاً- نتائج سلبية: خلل سلبي، خلل له آثار سيئة، تعاظم الخلل وتعاظمت معه نتائجه السلبية، نتائجه الكارثية في واقع الأمة؛ فعظمت تلك النتائج السلبية والسيئة والخطيرة والكارثية بقدر ما عظم هذا الخلل في واقع الأمة، خلل يعود إلى التزامها، إلى مبادئها، إلى قيمها التي حدثت فيها اختلالات كبيرة جدًّا: اختلالات كبيرة على مستوى الوعي، واختلالات كبيرة على مستوى الالتزام الأخلاقي والسلوكي، واختلالات كبيرة جدًّا ورهيبة جدًّا فيما يتعلق بمدى تحمل هذه الأمة لمسؤوليتها التاريخية التي حملها الله إياها، وهذه الاختلالات التي شملت الوعي، وشملت المشروع، شملت الالتزام الأخلاقي، والالتزام المبدئي والقيمي، بكل ما ترتب عليها من نتائج صنعت في واقعنا الكثير من المشاكل والكثير من الأزمات؛ سُنّةُ الله، ما كان بإمكان الأمة أن يحدث كلما حدث في واقعها من اختلالات كبيرة في الوعي، في السلوك، في الالتزام، في العمل، في تحمل المسؤولية… ويبقى الأمر طبيعياً، لا تدفع ثمن هذه الاختلالات والانحرافات. |لا| كان لا بد لها أن تدفع ثمن ذلك، {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41] وكما يقول -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: من الآية165]، هذه سنة الله مع من قبلنا من الأمم السابقة، كل الأمم التي حملّها الله المسؤولية في أن تحمل رسالته إلى البشرية بقيمها، بأخلاقها، بمبادئها، بمشروعها العظيم، ثم فرّطت، وقصّرت، وتوانت، وأخلّت حتى في التزامها هي، ما بالك فيما تقدمه للعالم؛ عوقبت، وأُوخذت على ذلك، وعاقبها الله عقاباً شديداً جدًّا {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً}[الطلاق: 8-9].

فالأمة اليوم تعيش الكثير من المشاكل؛ نتيجةً للاختلالات الكبيرة- على مدى زمنٍ طويل- في الوعي، وفي الالتزام، في المسؤولية… في جوانب كثيرة، وأتى العدو الأجنبي، أتى الأمريكي ليستثمر كما استثمر الذين من قبله، آخرون، الصليبيون- في مراحل معينة- استثمروا هذا الانحدار والسقوط في واقع الأمة، وما صاحبه من مشاكل كثيرة وظروف ومؤثرات كبيرة، المغول استثمروا- أيضاً- في مراحل من تاريخ هذه الأمة، الاستعمار في مراحله على مدى زمن طويل، يعني: على مدى مئات السنين، البريطاني وما قبل البريطاني، وكذلك الأوروبي: سواءً الفرنسيين، أو الإيطاليين، أو غيرهم… الكل سيستثمر؛ واقع مُغرٍ، واقع- بالنسبة لأعداء هذه الأمة- واقع جذاب بالنسبة لهم، يعبّر عن فرصة تاريخية ثمينة، بالتأكيد سيسعون لاغتنامها، الواقع الذي تحدث عنه النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- فيما روي عنه: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأَكَلَةُ على قصعتها)).

فالحال الذي تعيشه الأمة، وتتداعى عليها الأمم، وأتى الأمريكي من هناك، من غرب الأرض، من آخر الدنيا، وأتى اليهود شُذاذُ الآفاق إلى فلسطين ليزرعوا لهم- بمعونة غربية ودعم وإسناد غربي- كياناً في قلب الأمة، مفروضاً على هذه الأمة، معادياً لهذه الأمة، محتلاً، وظالماً، ومفسداً، ومتآمراً، كُلُ هذا هو خِضَمٌ من الأحداث والتحديات، مع كل ما يتزايد معه من مشاكل إضافية مع الوقت، وأزمات إضافية مع الوقت، يعني: كل عام وهناك المزيد من التحديات والمؤامرات، ومؤامرات كبيرة جدًّا، ومشاريع متنوعة: الإسرائيلي أتوا به إلى الأمة كمؤامرة كبيرة جدًّا في استهداف الأمة، أضافوا إلى ذلك المدّ التكفيري بكل ما يمثله من خطورة كبيرة جدًّا على الأمة، وما ألحقه بالأمة من: خسائر، ونكبات، ومعاناة، ومآسٍ… وكذلك ما أحدثه من ضرر كبير على الأمة في عملية تزييف الوعي، أيضاً في الاختلال الأمني الكبير جدًّا، في السعي من خلاله لتمزيق الأمة من جديد وإسقاط كياناتها… أشياء كثيرة ومآرب أخرى، كل مشروع من مشاريعهم، وكل مؤامرة من مؤامراتهم يدخل ضمنها الكثير من الأضرار، ويدخل ضمنها الكثير- أيضاً- من المكائد بهذه الأمة.

الاستعمار والسعي لتقسيم المنطقة

اليوم نشهد مؤامرات متنوعة على هذه الأمة، مثلما مؤامرة التقسيم للمنطقة، ونشهد هذه الأيام سخونة في الوضع فيما يتعلق بالعراق، مؤامرة واضحة لفصل شمال العراق في منطقة (كُردستان)، ومحاولة انفصال الأكراد هناك، ويعرف كل المتابعين مدى الدور الإسرائيلي المشجع للأكراد هناك، أو لبعض الأكراد في عملية الانفصال، وما من شك في أن لأمريكا دوراً في ذلك؛ لأن أمريكا في المرحلة الماضية بكلها عملت على بناء كيانٍ منفصل، يعني: المرحلة الآن أشبه ما تكون بمرحلة أخيرة تتويجاً لمراحل ماضية سعت فيها إلى تحويل الحالة الكردية في (كُردستان) إلى شبه كيان منفصل منذُ المراحل الماضية، بقي له بعض من الارتباط الشكلي في بعضٍ من الأمور، ولكنه كان يسير باتجاه انفصال على مراحل، بناؤه قائم على هذا الأساس، ترتيباته قائمه على هذا الأساس، سعيه في الماضي متجهٌ للوصول إلى ذلك.

الحالة التي يريدونها اليوم في العراق لا تخص العراق أبداً، ولا تخص في العراق منطقة (كُردستان)، يريدون المزيد من التقسيم في العراق، ويسعون للتقسيم في بقية بلدان المنطقة، ومنها بلدنا اليمن، بلا شك هناك سعي حثيث لتقسيم بلدنا، وما قبل الحادي والعشرين من سبتمبر كانوا قد قطعوا شوطاً كبيراً، وتبدأ- أحياناً- عملية التمهيد لعملية التقسيم تحت عناوين وبأساليب، عندما يعملون في كل بلدٍ من بلدان المنطقة- في البداية- إلى صناعة أزمة، تبدأ كأزمة سياسية، ويدخل ضمن هذه الأزمة السياسية أنشطة متعددة لتعميق وتجذير هذه الأزمة بما يهيئ فيها لعملية التقسيم: إما من خلال العنوان المناطقي، وأحياناً العنوان المذهبي، وأحياناً العنوان العرقي… وهكذا تبدأ أزمة سياسية، يضاف إليه بُعدٌ آخر هو البُعُد الطائفي، أو العرقي، أو المناطقي… أو غير ذلك، يعني: من السهل عليهم أن يجدوا عنواناً آخر يضيفونه، يخلقون ويصنعون حول هذا العنوان الجديد حالة من العصبية العمياء، والالتفاف المقيت، والتكتل الغبي الذي يرى في ذلك مستقبلاً مزدهراً، واعتداداً بالذات، واعتباراً، وفي نفس الوقت- في الأخير- تُقدم هذه العملية في التقسيم على أنها تمثل الحل السحري لمشاكل أي بلد من بلدان منطقتنا.

فالحالة التي هي قائمة اليوم في العراق، وما سبقها في السودان؛ يُخططُ لها في بقية بلدان المنطقة، عندنا في اليمن صنعوا لنا الكثير من المشاكل، صحيح عندنا مشاكل من الأساس، ولكنهم يستثمرون في هذه المشاكل، يعملون على تعقيدها وتوتيرها، ويشجعون البعض من الأغبياء الذين يبرزون ضمن هذه المشاكل؛ ليتجهوا بها اتجاها بعيداً ومنحىً آخر بعيداً- أحياناً- حتى عن جوهر المشكلة، أو عن أساس المشكلة.

مشروع الأقلمة.. بداية التفكك والبعثرة

وفي كل الأحول بالإمكان أن تتوفر حلول إيجابية، وحلول منطقية لكل هذه المشاكل، ولكنهم يعملون على تعقيد هذه المشاكل، ويقدمون المسألة- في الأخير- أنه: [ما من حلٍ لها إلا التقسيم]، تبدأ العناوين بالأقلمة، ثم الفدرلة، ثم ما بعد الفدرلة الانفصال، هذا يحصل، يبدأ عنوان الأقاليم عنواناً كمرحلة أولى، عنواناً تمهيدياً ومهيأً، ويأتي عمل مستمر، القوم نشيطون وحركيون ومهتمون على طول على طول ما يكلون ولا يملون، وهناك قابلية لهم؛ نتيجة غباء شديد، وانعدام لحالة الوعي لدى الكثير، ونتيجة أمراض قد فتكت بأمتنا وبشعوبنا، أمراض: فيها أنانيات، فيها عصبيات، فيها أحقاد، وكثير من المشاكل نعاني منها في منطقتنا؛ لأنه- أحياناً- توجد شخصيات لها ثِقل ولها نفوذ في مجتمعاتنا، ولكنها لا تتحلى بالمسؤولية أبداً، ما عندها أبداً لا إنسانية ولا ضمير ولا اهتمام أبداً، تعيش حالة اللامبالاة: ما عندها مشكلة في أن تفتت الأمة، وأن تقسم الأمة، وأن تمزق كيانات الأمة، ما عندها مشكلة أن يكون لها ارتباطات لا مع الأمريكي ولا مع الإسرائيلي، ما عندها أي تحرج من أن تشتغل ضمن الأجندة الإسرائيلية والأمريكية بدون أي مبالاة، ما عندها إحساس بالانتماء إلى هذه الأمة، الانتماء الجمعي، الانتماء العام، الانتماء الرئيسي. أبداً.

وفعلاً نجد أهمية كبيرة، وضرورة كبيرة جدًّا أن يكون هناك نشاط مكثف في أوساط هذه الأمة، فيما يتعلق بتجذير وترسيخ الانتماء، الانتماء الإسلامي في المقدمة، الذي هو مقدس لعملية الوحدة والتآخي والترابط، يقدسها، يجعلها فريضةً دينية، ولاحظوا لابقي عندنا هذا الاعتبار في ساحتنا العربية للأسف، ولا بقي عندنا الاعتبار الوطني، الهوية الوطنية، الرابطة الوطنية، الأخوة الوطنية… أبداً، ما بقي لا هذا ولا ذاك، كله انتهى عند الكثير، يوجد قوى حرّة يوجد لدى الشعوب- كذلك- تيارات صادقة، واعية، فاهمة.

لاحظوا، باعتبار المبدأ والهوية والانتماء، وهذه مسائل رئيسية جدًّا، يجب أن تحكم سلوكنا في هذه الحياة، سلوكنا وتوجهاتنا، ولا باعتبار المصلحة الفعلية والحقيقية لنا كشعوب في هذه المنطقة، كل هذا يضرب به عرض الحائط، ويتجه الكثير نحو هذه النزعة من التفتت، نحو هذا التجاوب السريع لعملية التقسيم، وعملية التفكيك، وعملية البعثرة لكيان هذه الأمة وشعوب هذه المنطقة، تجاوب سريع، استجابة سريعة، هذه حالة خطيرة جدًّا على أمتنا؛ لأنها تشكل خطورة كبيرة جدًّا علينا في مستقبلنا والكثير يغفلون عن ذلك، يعني: البعض أغبياء لدرجة أنهم يتصورون حينما يحضون بالدعم والتشجيع من أمريكا وإسرائيل، أو من القوى الإقليمية العميلة لأمريكا وإسرائيل بعض الأنظمة في المنطقة كـ(النظام السعودي والنظام الإماراتي)، حينما يحظون بشيءٍ من التحفيز والتشجيع والدعم في عملية التقسيم، وعملية الانفصال، وعملية التجزئة هذه والبعثرة هذه، يتصورون أن هذا فيه مصلحة لهم، وأن هذا بدافع الاهتمام بهم، بدافع العناية بهم، من أجل قرة أعينهم، اهتمام كبير بهم. هذا غباء، هذا غباء، ليس هناك من هدف- لا للأمريكي ولا للإسرائيلي- من هذا العمل بكله إلا إضعافُنا جميعاً في هذه المنطقة، تحويلنا إلى كيانات صغيرة مجزأة، وإضعافنا بشكلٍ مستمر بالمزيد حتى بعد التجزئة هذه، لاحظوا ما حصل في السودان، حصل تجزئة للسودان، ما بعد هذه التجزئة، هل استقر وضع السودان؟ |لا| حتى جنوب السودان لم يستقر الوضع فيه، صراعات ونزاعات لا تكاد أن تتوقف إلا لوقتٍ قصير ثم تعود، وتستمر- أيضاً- في بقية السودان، النزاعات هناك مستمرة، والأزمات مستمرة، والتوتر مستمر، والتهيئة لمزيد من الانقسامات حالة قائمة أيضاً، وهكذا الحال عندنا في اليمن، هناك سعي دؤوب لتجزئة بلدنا وتقسيم بلدنا، وكانت على قدمٍ وساق ما قبل التصعيد الثوري (في الحادي والعشرين من سبتمبر)، ضمن الوضع الكارثي الذي كان قائماً في بلدنا آنذاك.

وضع اليمن قبل 21 سبتمبر

لاحظوا، ما قبل الحادي والعشرين من سبتمبر، عندما نعود لنستذكر ما كان عليه الوضع آنذاك: وضع كارثي، وضع مأساوي، وضع خطر جدًّا بكل ما تعنيه الكلمة؛ لأنه وضعٌ كان الأعداء يخططون فيه أن نذهب نحن كيمنيين بأنفسنا، بإرادتنا، باختيارنا إلى الهاوية، كانوا يريدون أن يأخذوا الجميع، وليس بالأيدي، إنما أرادوا أن يمسكوا باللجام، يحولونا إلى حيوانات، يأخذوا باللجام ويذهبوا بنا نحو الهاوية، كان هناك دائماً في الحالة القائمة التي أوصلونا فيها- في هذا البلد- إلى الخضوع رسمياً، وعلى نحوٍ معلن، وباعتراف من كثير، وتقبل من كثير من القوى السياسية للوصاية الأجنبية الواضحة، وتحت البند السابع، وهذه مسألة واضحة ومعروفة، أُخضع فيها بلدنا للوصاية الأجنبية بشكل رسمي، صريح، واضح، مُعلن، يعني: لم تعد المسألة فقط مجرد وصاية فعلية وبغطاء معين من دون أن تظهر أمام الناس أنها وصاية. |لا| وصاية صريحة، وواضحة، ومعلنة، وكان سفراء الدول العشر في صنعاء المعنيون، وعلى رأسهم السفير الأمريكي، المعنيين الرئيسيين بكل شئون هذا البلد، قبل أي طرف يمني، قبل أي مكون يمني، المعني الأول قبل اليمنيين جميعاً بأي شأنٍ من شئون هذا البلد، في أي مجال من المجالات: الشأن السياسي، الشأن الاقتصادي، الشأن الأمني… سفراء الدول العشر، فيهم بالدرجة الأولى السفير الأمريكي، وكان السفير الأمريكي تُدرس معه كل شؤون هذا البلد من كل الجهات ذات المسؤولية في مؤسسات الدولة، على رأسها عبدربه نفسه، عبدربه كان يناقش مع السفير الأمريكي أهم المسائل والقرارات والمواقف، وعلى ضوء ما يصل إليه مع السفير الأمريكي، وفي كثيرٍ من الحالات اجتماعات مع سفراء الدول العشر، وتناقش فيها الكثير من المسائل والقضايا ذات الصلة بشأننا نحن اليمنيين، ثم ما قرره أولئك السفراء، وما قرره السفير الأمريكي؛ لأنه– في العادة- كانوا كلهم يتبعون السفير الأمريكي، يعني: عندما تأتي مثلاً إلى تقييم ما كان عليه البريطاني، أو الفرنسي، أو أي سفير أو سفيرة في صنعاء، أي مسؤول سفارة سواءً رجُل أو امرأة في صنعاء؛ تجد أنه كان مجرد تابع للسفير الأمريكي، سواءً من الأوروبيين، أو الخليجيين، السعودي مثلاً والإماراتي، الكل فقط متبعون للسفير الأمريكي، وما يقرره السفير الأمريكي الكل يؤيده والكل يضغط في تنفيذه.

حالة كارثية أن نجد أنفسنا كشعبٍ يمنيٍ مسلمٍ حُرٍ وعزيز، تُسلب منا حريتنا، يُسلب منا استقلالُنا، يصادر علينا قرارنا السياسي، ويصبح المعني الأول في كل أمورنا، وفي كل شؤوننا، وتجاه أهم المسائل، والمتحكم فينا هو السفير الأمريكي ومن معه من السفراء الأجانب، وكانت الفضائية اليمنية تبث اجتماعات سفراء الدول العشر، ومواقف سفراء الدول العشر… وما إلى ذلك، حتى أصبحت حالة مألوفة ومعتادة في ساحتنا اليمنية لدى القوى السياسية وخارج الأجهزة الرسمية، خارج مؤسسات الدولة، الكثير من القادة (قادة الأحزاب والمنتسبين إلى الأحزاب)، كانوا يذهبون إلى السفراء باعتبار السفراء هؤلاء معنيين أساساً بشأننا اليمني، والكل يجد نفسه معنياً أن يناقش معهم أوضاع البلاد، يعني مثل: (لو قدهم هم أصحاب البلاد، ما عاد احنا إلا ضيوف في البلاد هذه)، بل إن البعض من المنتسبين لبعض الأحزاب كانوا حساسين جدًّا جدًّا جدًّا تجاه البعض الآخر من أبناء هذا البلد، مثلاً: (تجاهنا)، ولم يكن لديهم ذرة من الحساسية تجاه الدور الذي يلعبه السفير الأمريكي وسفراء الدول العشر، وأنا أتمنى من وسائل الإعلام أن تُعيد عرض الكثير من المشاهد والتقارير التي تُذكّر الجميع بمدى السيطرة الأجنبية، مدى الوصاية الأجنبية، مدى التحكم الخارجي في قرارنا السياسي في هذا البلد، وشأننا السياسي في هذا البلد، هذه مسألة مهمة جدًّا.

ولاحظوا، عندما نأتي لنناقش هذه المسألة: هل طبيعي؟ هل صحيح أن نقبل كشعب يمني باستمرار هذه الحالة، [إن احنا نبقى مشخرين] والسفير الأمريكي ومن معه من السفراء يقررون أي شيء في شؤوننا، ويرسمون لنا مستقبلنا، ويكونون هم المتحكمين في حاضرنا ومستقبلنا؟ على أي أساس؟ أولاً- باعتبار الهوية والانتماء، السفير الأمريكي ومن معه من السفراء- بالتأكيد- لم يكونوا ليراعوا لا هويتنا ولا انتماءنا في طبيعة قراراتهم، في طبيعة مخططاتهم، في طبيعة ما يمكن أن يختاروه لنا، أو يأمرونا به، أو يقرروه لنا، أو يحددوه لنا. نهائياً، هذا غير محسوب ضمن حساباتهم (الهوية والانتماء)، يعني ذلك: أنهم قد يفرضون علينا شيئا سواءً فيما يتعلق بثقافتنا وتعليمنا، أو شؤوننا السياسية، أو شؤوننا الاقتصادية، أو شؤوننا الاجتماعية، أو أي شأن من شؤوننا يتعارض كل التعارض مع هويتنا الإسلامية، مع انتماءنا الإسلامي، وهذه قضية خطيرة جدًّا علينا؛ لأن معنى ذلك أن نتخذهم أنداداً من دون الله، لو نقبل من السفير الأمريكي أن يقرر في شأننا، أو أن يفرض علينا في شؤوننا ما يتعارض كلياً مع انتمائنا الإسلامي وهويتنا الإسلامية، هذه قضية خطيرة جدًّا علينا، وفي نفس الوقت تفريط كبير تفريط كبير.

ثانياً: باعتبار الحق، حتى باعتبار الحق الوطني: أننا بلد مستقل، نفترض في واقعنا أننا بلد مستقل بكل ما يترتب على ذلك من حقوق لنا كشعب وبلد مستقل، من ضمن ذلك وفي مقدمة ذلك: أنه لا يحق للدول الأجنبية أن تتدخل في شؤوننا الداخلية، بل إن تدخل تلك الدول في شؤوننا الداخلية، على النحو الذي كان قائماً في تلك المرحلة، يعتبر انتهاكاً لسيادة واستقلال بلدنا، وامتهاناً لكرامة شعبنا، في العُرف الدولي، في القوانين الدولية، ضمن الاعتبارات القائمة في هذا العالم، المعترف بها في هذا العالم، كل هذا خلاص ضُربَ به عرض الحائط: لا الاستقلال باعتبار الهوية والانتماء، ولا الاستقلال الوطني، بحسب ما هو معترفٌ به في الأنظمة، في الأعراف الدولية، في القوانين الدولية، كل هذا ضُرِبَ به عرض الحائط، وأصبحنا شعباً يخضع لوصاية، ممن؟ هل وصاية أصدقاء (وهذه النقطة كثيراً ما أُكررها في كثيراً من كلماتي؛ لأهميتها القصوى)؟ |لا| بل وصاية عدو، سيطرة عدو، يحقد علينا، لا يمتلك ذرةً من الرحمة بنا، لا يحمل إرادة الخير لنا، عدو كل ما يسعى له ويحرص عليه هو أن يستعبدنا، أن يُذلنا، أن يقهرنا، أن يضعفنا؛ ولذلك كان الحال واضحاً، كانت كلما سيطر أكثر، وكلما استحكمت قبضته علينا أكثر؛ كلما ساء حالنا أكثر، بالرغم من أن الكثير من أبناء هذا البلد كانوا يرونَ في الهيمنة الخارجية والسيطرة الأجنبية التي يعولون عليها أن تكون سبيلاً إلى رضى الخارج ومحققةً لرضى الخارج، كانوا يؤملون فيها أن يترتب عليها رخاء وازدهار واستقرار لهذا البلد، إنه: [أنتو يا أيها الأمريكيون، ويا أيها السعوديون، ويا أيها الأجانب، بما أننا مكناكم من بلدنا وشأننا السياسي، وأصبحت لكم الوصاية والقرار والسيطرة على كل شؤوننا، خلاص المفترض أن تكونوا راضين بذلك، وأن يدفعكم ذلك إلى العناية بنا في هذا البلد على المستوى الاقتصادي، وعلى مستوى الاستقرار السياسي، ومستوى الاستقرار الأمني… إلى غير ذلك]، لكن |لا| كانت كلما استحكمت قبضتهم أكثر ازدادت مشاكلنا الاقتصادية، وتفاقمت مشاكلنا السياسية، وانهار استقرارانا الأمني، يعني: لاحظوا، في تلك المرحلة كانت عملية الاغتيالات والتصفيات في داخل صنعاء نفسها بأكثر منها في بقية المحافظات والمدن، صنعاء نفسها لم تشهد- آنذاك- استقراراً، حيث أجهزة الدولة بكل ثقلها، وحيث يفترض- آنذاك- أن هذه الأجهزة مدعومة من الجميع، الأمريكي يدّعي أنه يوفر لها كل أشكال الدعم: (المادي، والمعلوماتي، وكذلك على مستوى الدعم اللوجستي، والخبرة، والتقنية، ووو الخ.)، السعودي من هناك يتظاهر بأنه داعم بكل ما أوتي من قوة، وبكل ما لديه من إمكانات، الدول العشر، ثم الدول الثماني عشرة، الكل يزعم أنه يقف إلى جانب هذه المؤسسات وهذه الأجهزة وأنه يوفر لها الدعم، المسؤولون على لقاءات مستمرة مع الجميع، والتقارير الإخبارية تتحدث- دائماً- عن الدعم الدعم الدعم الدعم على طول، تظهر في شاشة التلفزيون لقاءات مع ذلك السفير، مع ذلك الزائر… وبعد كل لقاء يأتي تقرير يقول لك: [اتفقوا على دعم مؤسسات الدولة، على دعم بلدنا، على دعم هذه الحكومة…] وااااااصل حديث [دعم دعم دعم]، لكن والأمور متدهورة على طول على طول على طول.

ثم تتفاقم المشاكل الداخلية التي لها مسار مرسوم، مسار يوصل نحو الانفصال، يوصل نحو التقسيم، يوصل نحو التفكيك لكياننا اليمني، والبعثرة لهذا الشعب، هم يهندسون هذه المشاكل، ويرسمون لها مساراتها، ثم يدفعونا دفعاً نحو تلك المسارات، ليوصلوا الجميع إلى نفس النتائج؛ فإذا بنا نسمع أنه: [لا بد من الأقلمة]، ومعروف بعد الأقلمة- كما حصل لغيرنا- الفدرلة… وقدموها كلها خلطة واحدة (الأقلمة والفدرلة)، ولكن وكأنه ليس هناك من حل إلا هي، وكأن مشكلتنا في الماضي كانت في وحدتنا، ولم تكن مشكلات ذات طبيعة أخرى.

مقومات الوحدة راسخة شاملة

الشعب اليمني- في واقع الحال- هو أمة واحدة، هو شعب متجانس، شعب يشعر بأنه لُحمة واحدة، وهو في واقع الحال- بأدنى تأمل، وبشكلٍ واضحٍ منذُ الوهلة الأولى لأي متابع أو متأمل لواقع هذا الشعب- شعب منسجم مع بعضه البعض كشعب، ما هناك مشكلة: لا في الهوية، إنه مثلاً: (نصف من الشعب اليمني مسلمين، ونصف كافرين). |لا| شعب مسلم، ولا هناك- أيضاً- تعدد عرقي على النحو الذي تشهده بعض البلدان. |لا| شعب متجانس، ولا هناك مشكلة كبيرة في اختلاف اللغات (هذا لغة عربية، وهذا لغة مدري ما هو ذاك…) |لا| شعب، الروابط فيما بين أبنائه روابط كبيرة جدًّا، كل أنواع وأشكال الروابط قائمة [الدين الواحد، اللغة الواحدة الجامعة)، وإن تعددت اللهجات ضمن لغة واحدة، تحكمهم لغة واحدة، لهجات داخل هذه اللغة أمر طبيعي جدًّا.

ثم كذلك في العادات والأعراف والتقاليد، روابط كبيرة جدًّا بين أبناء هذا البلد، الحالة الشعبية ليس فيها أبداً ما يدفع نحو تفكيك هذا البلد وتجزئة هذا البلد.

الأغبياء والحلول الموهومة

الحالة السياسية أن بعض الشخصيات- أحياناً- شخصية هنا أو هناك يقم هو إما نتيجة حقد، أو غباء، أو ارتباط بالخارج، واحدة من ثلاث، جهل: إنسان- أحياناً- يكون جاهلا كبيراً، ولكن صاحب وجاهة، وأحياناً جهله جهل مركب، بعض السياسيين جهلهم جهل مركب: غبي، يتصور مع شوية من الأنانية وإفلاس من القيم، وإفلاس من الشعور والإحساس بالانتماء والهوية، وعنده خلاص ما عاد به حل إلا يفرق الشعب اليمني ويجزّئ ويقطّع أوصال الشعب اليمني، ويجي يقول: [خلاص، الحل لمشاكلنا السياسية نقطّع أوصال شعبنا ونفكك هذا البلد]، ويعتبر نفسه إنه [قد هو عبقري، مفكر يعني منين جت له هذه الفكرة]! |لا| الشعب اليمني ليس له مشكلة في واقعه كشعب وحالة شعبية، تدعو إلى تفكيكه وتقطيع أوصاله. لا، تكفيريين جاؤا بدعم سعودي، وفيما بعد بدعم إماراتي، محاولين هم يفككوا أوصال هذا البلد: [وأهل محافظة كذا كافرين ومجوس، وأهل محافظة كذا مسلمين ومن الصحابة…]، وبهذه النغمة المقيتة، والا بعض القوى السياسية باتت تحمل- أيضاً- هذه النغمة.

قوى الاستعمار واستمرار المسار

على العموم، المسار الذي كانوا يعملون عليه، ولا زالوا إلى اليوم يسعون له، هو: مسار تفكيك لهذا البلد، يعني: ما كفاهم وصاية وسيطرة كاملة، وأنهم سلبوا منا الحرية وسلبوا منا الاستقلال، وأخضعوا بلدنا لسيطرتهم ولقرارهم الأجنبي، وأعطوا لذلك شرعنة دولية، وليست شرعنة في واقع الحال بحسب رأيهم هم، مثل: (البند السابع)، ما كفاهم ذلك، في ظل تلك الوصاية والسيطرة، والمصادرة للحرية وللقرار السياسي وللاستقلال، والامتهان لكرامة هذا الشعب، يشتوا يفككونا، يشتوا يقسمونا، يشتوا يبعثرونا، منشئين بيننا ومفاقمين بيننا العداوة والبغضاء، مغذين لمشاكلنا، تكبر في ظلهم مشاكلنا، تتعقد مشاكلنا، تصعب حلولها مع الوقت…الخ.

مشاكلنا الاقتصادية كانت في حالة تفاقم كبير، وكانوا هم يصنفون وضعنا الاقتصادي بأنه متجه نحو الانهيار، وأتمنى- مجدداً- من وسائل الإعلام في بلدنا هذا أن تذكر الناس بالتقارير والمقولات التي كانت تُقال- آنذاك- من جانب تلك الأطراف الدولية نفسها، يتحكم عليك ويتحكم في كل شؤونك، ويقول لك: [أنت متجه نحو الإفلاس، ومتجه نحو الانهيار الاقتصادي]، والاستقرار الأمني خلاص، كان وصل إلى شبه نقطة الصفر، ما بش استقرار أمني حتى في العاصمة صنعاء – آنذاك-.

فإذاً، خسارة لكل شيء: نفقد استقلالنا، وكرامتنا، وقرارنا السياسي، ونفقد معه كل شيء: لا بلدنا يبقى بلداً واحداً، ولا استقرار اقتصادي، ولا تنمية اقتصادية… ولا أي شيء أبداً.

ثورة 21 سبتمبر فرضتها الضرورة القصوى

ولذلك كانت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ضرورة وطنية، وضرورة تفرضها على هذا الشعب كل الاعتبارات، اهتمامنا من منطلق مبادئنا وقيمنا، التي تفرض علينا أن لا نقبل مطلقاً بتلك السيطرة الأجنبية، بتلك الهيمنة المطلقة من الأجانب على رؤوسنا وعلينا، على بلدنا، على حاضرنا وعلى مستقبلنا؛ لا الحكمة، ولا المنطق، ولا الهوية، ولا الانتماء، ولا المبادئ تجعلنا نقبل بتلك السيطرة من أطراف هي معادية لنا، وبرنامجها الذي تشتغل عليه من خلال وصايتها وسيطرتها المباشرة برنامج كارثي، برنامج يسحق هذا الشعب، يدمر هذا البلد يوصلنا إلى الهاوية في كل الاتجاهات: وحدتنا تنتهي وتسقط، وكذلك هويتنا تُضرب، قيمنا وأخلاقنا- كذلك- يستهدفونها وينهونها، وضعنا الاقتصادي يوصلنا إلى الهاوية بنفسها ويوقعنا فيها، الاستقرار الأمني ينتهي ويتلاشى ويصبح بلدنا مملوء بالدواعش واغتيالات وقتل وجرائم، وكل فترة جرائم قتل بطريقة وحشية، حتى في المستشفيات والشوارع، القتل الجماعي والقتل بالاغتيالات على المستوى الفردي، ماهناك أي داعي أن نقبل بأن يستمر ذلك الوضع على ما كان عليه وهو يتجه نحو الأسوأ، كل شيء في هذا البلد: قيم، مبادئ، عزة، كرامة، أصالة… يفرض علينا أن نعمل على إيقاف تلك الكارثة التي كانت قائمة.

التحرك الثوري كان معبراً عن كل أبناء اليمن

فكان التحرك في التصعيد الثوري تحركاً مسؤولاً، ويمثل ضرورة ملحة لإيقاف تلك الكارثة الرهيبة التي كانت قائمة، وكان تحركاً فاعلاً ومؤثراً: أولاً- عبّر عن كل أبناء هذا البلد، التصعيد الثوري، ما قبل الحادي والعشرين من سبتمبر، وصولاً إلى الحادي والعشرين من سبتمبر، لم يكن معبراً عن مذهبٍ واحد من كل المذاهب، ولا عن قبيلة واحدة، ولا عن منطقة واحدة، وإن كان هناك فعلاً، مثلاً: حضور كبير لبعض المحافظات أكثر من البعض الآخر؛ لعوامل لا يسعنا الوقت للحديث عنها، ولكنه تحركٌ عبّر عن كل اليمنيين، وتبنى مطالب اليمنيين جميعاً، وتحرَك لمصلحة اليمنيين جميعاً، وكان تحركاً قوياً وفاعلاً ومؤثراً، أعاد الاعتبار للشعب اليمني أنه لا يمكن أن يتحول إلى شعبٍ مدجنٍ للوصاية الأجنبية والسيطرة الأجنبية من أعداء هذا الشعب، لا يمكن أن يُخضِعَهُ أي طرف آخر لسيطرة أعدائه؛ حتى يتمكنوا من سحقه وإذلاله وقهره وتدميره، وهو خاضع وخانع ومستسلم، لا يفعل شيئاً ولا يقول شيئاً ولا يتحرك بأي تحرك، أنه شعبٌ لا يزال يعيش حيويته الإسلامية والوطنية والإنسانية، لا يزال شعباً يُحس، لديه كرامة؛ وعندما جُرح في كرامته غضب ولم يقبل، وتحرك بكل إباء.

التحرك الثوري وتهديد الدول العشر!

ولاحظوا؛ كان التحرك فعالاً، يُثبِتُ قدرة هذا الشعب على أن يقف بوجه التحديات والأخطار بدلاً من أن يستسلم لها؛ فيكون ضحيةً لاستسلامه، أن بمقدور هذا الشعب أن يقف في مواجهة التحديات، حتى لو كان الذين وقفوا بوجهه أولئك بأجمعهم؛ لأنه برز الدور الواضح والعلني والصريح لما سمي- آنذاك- بالدول العشر ضد تحرك الشعب، ضد التصعيد الثوري، وآنذاك كان تحركهم واضحاً ومفضوحاً ومكشوفاً، وبرزوا هم كطرف معني بإيقاف ذلك التصعيد الثوري ومواجهة ذلك التصعيد الثوري، آنذاك وجهوا- حتى- رسالة لي أنا، وهددوني، وطلبوا مني أن أسكت: [اسكت، ما عاد تتكلم، ولا تتخاطب مع هذا الشعب ليتحرك بمسؤولياته التي تفرضها عليه: إنسانيته، وهويته، وانتماؤه، وأصالته، وقيمه، وحريته، وعزته، وكرامته، ومصلحته]، وأرادوا مني أن أسكت، وهددوني آنذاك، وسَخِرْتُ من تهديدهم؛ لأني أنتمى إلى هذا الشعب، وأنتمى إلى الهوية وإلى الأصالة لهذا الشعب، أنا في هذا البلد أعيش إحساس اليمني، هوية الإنسان اليمني الأصيل، الذي يأبى العبودية لغير الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- هذا اليمني الذي تحرك بكل إباء، ولم يلتفت إلى كل تلك التهديدات، ولا إلى كل ذلك الضجيج الذي سعى العملاء في هذا البلد إلى جانب أولئك الأجانب- من خلاله- إلى التشويش على هذا الشعب إرجافاً، وتلبيساً للحقائق، وسعياً إلى إيقاف ذلك التحرك، وذلك التحرك العظيم، القوي، الفاعل، الجماهيري، المسؤول؛ سيبقى صفحةً بيضاء ناصعة لكل الأجيال الآتية، سيسجله التاريخ لهذا الشعب، وما أعظم تلك الملاحم البطولية العظيمة، وما أجمل ذلك التحرك الذي عبّر عن عزة اليمنيين وكرامة اليمنيين، فعلاً أربك كل تلك الدول العشر، أُربِكَت، في الأخير أصبحت متحيرة [ماذا تفعل؟].

تحرك جماهير هذا الشعب، وكان في طليعتهم (الأهالي في أمانة العاصمة، وفي محيط صنعاء، ومن بقية محافظات الجمهورية الأحرار والشرفاء) تحركوا إلى المخيمات، وتحركت- أيضاً- قوافل العطاء والكرم، يعني: تصعيد ثوري لم تموله أي دولة أجنبية، تحرك يمني أصيل بما تعنيه الكلمة، القبائل اليمنية قدمت بكل سخاء وكرم- بذلك الكرم الذي عُرف به أهل اليمن- القوافل تلو القوافل: قوافل العطاء والكرم التي كانت تصل تباعاً ويومياً إلى المخيمات، وذهب الكثير إلى المخيمات، واحتشدوا إلى الساحات بحضورٍ فاعلٍ ومسؤولٍ، وبتصميمٍ وعزمٍ ليس فيه تراجع، واستمرت خطوات التصعيد الثوري، وصولاً إلى يوم الحادي والعشرين من سبتمبر، حصل ما حصل- مما عرفنا به جميعاً- من اعتداءات، من استباحة للدماء، وسفك لدماء المتظاهرين في شارع المطار، وأيضاً في المظاهرات التي اتجهت نحو مجلس الوزراء واعتُدِيَ عليها في الطريق، وحوادث متعددة حصلت.

ثورة شعبية أدهشت العالم!

فأتت الخطوة الكبيرة في يوم الحادي والعشرين من سبتمبر؛ لتكون خطوة حاسمة، تعاون فيها الأحرار والشرفاء من أبناء هذا البلد جميعاً، داخل المؤسسة العسكرية، التي تستحق في هذا اليوم الثناء على موقفها والتقدير لموقفها، داخل المؤسسة الأمنية أيضاً، وداخل كل فئات المجتمع، تعاون كبير أثمر نتيجةً عظيمةً وعملاً حاسماً على نحوٍ متميزٍ وعظيم، خطوة حاسمة وكبيرة بأقل كلفة، بأقل كلفة، كان الكثير يتوقع أن تكون الكلفة كبيرة جدًّا لتلك الخطوة: بأن تسفك الدماء، ويقتل الآلاف، وتدمر الأمانة (صنعاء)، ويحدث مجازر كبيرة، وأحداث كارثية، ونهب لكل المتاجر والمستودعات والبنوك، ونهب لمباني ومؤسسات الدولة، وكوارث، ومشاكل أهلية…الخ.

ولكن، لأن الموقف شعبي بكل ما تعنيه الكلمة، وتعاون فيه كل أبناء هذا الشعب، ودخلت في ذلك معهم المؤسسة العسكرية والأمنية؛ كان النجاح كبيراً وعظيماً وحاسماً، وبأقل كلفة، وبالمحافظة على الأمن والاستقرار في صنعاء: لا بنوك نهبت، ولا متاجر- بما في ذلك متاجر الذهب- نهبت، ومؤسسات الدولة والوزارات حوفظ عليها؛ فكانت عملية اندهش منها كل العالم، وتوّجت تلك الخطوة الكبيرة جدًّا، التي أعادت الاعتبار للشعب اليمني، لحرية هذا الشعب، لكرامة هذا الشعب، وأعادت الاعتبار لهذا الشعب في مقابل كل أولئك الذين كانوا أرادوا النيل من عزة هذا الشعب، وحرية هذا الشعب، وأن يجعلوه مداسة للأجانب؛ الكل اندهش.

اتفاق السلم والشراكة ومساعي التعطيل

 توجت تلك الخطوة باتفاق السلم والشراكة، الذي قدم درس مهماً: قدم درساً عن ثورة شعبية مدت اليد لكل المكونات في هذا البلد، حتى مع كل أولئك الذين وقفوا ضدها، واختلفوا معها، وسعوا بكل ما يستطيعون للقضاء عليها، قالت للجميع في هذا البلد من كل أبناء هذا البلد: [تعالوا جميعاً، تعالوا جميعاً للشراكة، للسلم، للتعايش، للتعاون!!].

ومع كل هذا المستوى العظيم من الإيجابية العالية جدًّا، من التفاهم، من الحرص الكبير على استقرار هذا البلد، كان البعض غير إيجابي، تعاطوا- آنذاك- سلبياً مع اتفاق السلم والشراكة، وقعته كل المكونات في الداخل، اعترفت به القوى الخارجية، بما في ذلك الدول العشر نفسها، النظام السعودي- آنذاك- اعترف بهذا الاتفاق، ورحب بهذا الاتفاق، مجلس الأمن، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، دول كثيرة… أصبح هذا الاتفاق معترفاً به لدى الجميع، وفي الداخل، ومع ذلك تنكر له الآخرون، وعملوا بكل جهد على إفشال هذا الاتفاق، وعملوا من جديد إلى التآمر على هذا الشعب تآمراً كبيراً؛ في مسعىً منهم لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه من سابق: لإعادة الوصاية والسيطرة الأجنبية، وإفشال هذا الاتفاق بعد الاعتراف به، والتوقيع عليه، بعد أن أصبح ملزماً؛ في الأخير افتضحوا.

اليوم، هم مفضوحون تجاه هذا الاتفاق؛ لأنهم باتوا صريحين في تنكرهم لهذا الاتفاق، وفي موقفهم السلبي منه، باتوا صريحين، في البداية كانوا مغمغمين، بيحاولوا يعطلوا الاتفاق ويحاولوا يغالطوا، ويتهموا  الآخرين، يتهموا القوى الثورية أنها محاولة هي تلتف على الاتفاق، ولكن اتضحت الحقائق بعد، وباتوا صريحين في موقفهم السلبي من اتفاق السلم والشراكة؛ ولذلك هم يتحملون المسؤولية أمام التاريخ وأمام هذا الشعب، في أنهم هم سعوا إلى إفشال ذلك الاتفاق وتعطيله، والالتفاف عليه، والتآمر من جديد، وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر، أعادوا الوضع إلى وضع مأزوم- من جديد- في البلد، وعقدوا المشكلة من جديد، ودخلوا في مؤامرات جديدة، وتوجوها بالعدوان، وكل هذا في مسعىً منهم أن لا يتحرر هذا البلد، وأن لا نعيش- كشعبٍ يمني- أحراراً من دون وصاية أجنبية وسيطرة خارجية، هذا الحال القائم؛ سعياً منهم في كل ما يسعون فيه في المنطقة بكلها، في كل ما يستهدفون به شعوب المنطقة بأجمعها، بيستهدفونا وفي كل شيء، ويحققوا الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها في إخضاع المنطقة- في النهاية- إخضاعاً كاملاً بعد إيصال الجميع إلى نقطة الصفر: ما يبقى كيانات حرة، ما يبقى وضع البلدان على ما هو قائم عليه، استنزاف الجميع بالحروب والفتن والمآسي والنكبات؛ وصولاً بالجميع إلى حالة الاستسلام التام للسيطرة الأمريكية والإسرائيلية.

لاحظوا الوضع اليوم، في سوريا الإسرائيلي بينفذ غارات في كل فترة وآونة، مستفيداً من الدور التخريبي للقوى التكفيرية هناك، وفعلاً الدولة السورية منشغلة بالمشاكل الداخلية، بالشكل الذي أثر عليها في مدى الجهوزية للرد على العدوان الإسرائيلي، هم أرادوا بالأمور أن تصل إلى أسوأ مما هي عليه الحال، مع أن الوضع في سوريا متجه نحو النصر للشعب السوري والدولة في سورياً.

عموماً، الموضوع الرئيسي هو: أن الثورة الشعبية هذه، بما فيها النتيجة الكبيرة للحادي والعشرين من سبتمبر، كانت ضرورة ملحة وكانت خياراً سليماً صحيحاً مسئولاً لابد منه في أن يتحرر هذا الشعب؛ ولذلك هم اتجهوا- فيما بعد- للعدوان والحرب؛ حتى يستعيدوا سيطرتهم المباشرة علينا، ويريدون أن ينفذوا ما يريدونه من أهداف في بلدنا.

الوضع في الجنوب.. يعكس أهداف المحتل

لاحظوا، الوضع اليوم في المناطق المحتلة من بلدنا: [في الجنوب، وفي المناطق الشرقية]، هل الوضع هناك يمكن أن نقول عنه: أنه نموذج راقٍ، وأنه يدل على أهداف إيجابية لقوى العدوان؟ |لا| الوضع الاقتصادي سيء، الوضع الأمني صفر، ما هناك دولة، هناك جماعات أُنشئت، ودعمت، وتدعم، والذي يحظى بالدعم هناك هو من يتجند عسكري: (يسرح يقاتل مع الإمارات، وإلا مع السعودية)، والإماراتي والسعودي- في الأخير- إنما هو مقاتل مع أمريكا، ولمصلحة أمريكا، وتحت هيمنة وسيطرة أمريكا وراية أمريكا ومظلة أمريكا.

في الأخير، الأغلبية من أبناء الشعب هناك يعيشون البؤس، الحرمان، الظلم، الاضطهاد؛ لا أمن، ولا استقرار، ولا وضع اقتصادي مستقر أيضاً. أبداً، ولا رفاهية، ولا رخاء، ولا أي شيء… ولا هناك نموذج لواقع تقوم فيه: (دولة، ومؤسسات…الخ. لا شيء أبداً، تكشف لك الحقيقة. الحالة هي: أن الإماراتي هناك أتى ليكون هو القناع، يختفي خلفه الأمريكي، الأمريكي يريد قواعد: (في العند، في حضرموت، في شبوة، في مناطق كثيرة…)، وقواعد في الجزر، ولكن تحت قناع إماراتي، وتُقدم أهم الجزر اليمنية، وفي مقدمتها جزيرة ميون في باب المندب، جزيرة سقطرى- أيضاً- في البحر العربي، من أهم الجزر على الإطلاق، إضافة إلى بقية الجزر، هناك جزر كثيرة اليوم سلمها العملاء والخونة من أبناء هذا البلد للإماراتي، عمل له فيها قواعد، وبعضها قواعد مشتركة مع الأمريكي؛ لأنه– كما قلنا- الإماراتي قناع للأمريكي، وبات اليوم يسرق  الغاز اليمني، مع معاناة الشعب اليمني، سواءً في صنعاء أو في عدن، الكل يعاني في مسألة الغاز، الكل يعاني في مسألة البترول، سواءً في الحصول على البترول، أو في الاستفادة من عائداته المالية، كل هذا ما بيستفيد منه شعبنا اليمني؛ بيذهب للأجانب، يعطوا الجزء منه (من الفتات) للمرتزقة في أن يقاتلوا في سبيلهم، يعني: بما يخفف الكلفة على الأجنبي فقط، بما يخفف كلفة التشغيل للعميل اليمني والمحلي؛ ما يحتاج يدفع له الأجنبي كثير، في النهاية أنت يمني تقاتل مثلاً في مأرب وعاد بايدفع لك أجرتك وأنت مقاتل في سبيله (في سبيل السعودي الذي يقاتل في سبيل أمريكا)، أو أنت جنوبي تقاتل في سبيل الإماراتي، وهو بيقاتل في سبيل أمريكا، الإماراتي وفي سبيل إسرائيل، في النهاية قد يحاول أن يستفيد من ثروتك: يأخذ له هو جزءاً ويدفع لك جزءاً؛ فيكون بيستفيد حتى من مالك، ينهب عليك من مالك، ويدفع ديتك من مالك، ويشغلك، وهو المستفيد في النهاية وأنت الخاسر في الأخير.

الدين والإنسانية تفرض علينا الإباء والحرية

اليوم، الذي يريدونه من هذا العدوان هو ما كانوا أرادوه في الماضي: سلب حريتنا، ومصادرة قرارنا السياسي، والإخضاع الكامل لنا، ثم الاتجاه بنا نحو الهاوية، وهذا شيءٌ لا يمكن أن نقبله بأي حالٍ من الأحوال، وأي ثمن، وأي مستوى من التضحيات نقدمه في سبيل أن نبقى أحراراً، هذا شيءٌ يجب أن نكون مستعدين له، وأن لا نتحرج منه أبداً، أي مستوى من التضحيات في سبيل أن نكون أحرار وأعزاء، في سبيل أن نضمن مستقبلنا؛ ليكون مستقبلاً حراً وعزيزاً وكريماً، هذا شيء يفرضه علينا ديننا، وتفرضه علينا إنسانيتنا، ولنا الحق به، ولو كان لنا خياراً آخر كُنّا سنضحي أكثر، ونخسر بشكل أكبر ومن دون نتيجة، ثم نصل إلى الهاوية.

نحن، بكل ما نقدمه من تضحيات في سبيل أن نبقى أحراراً وأعزاء، نحن والله رابحون بكل ما تعنيه الكلمة، أما ما يمكن أن نخسره مع استسلامنا، مع خضوعنا للأجنبي، مع فقداننا للحرية والاستقلال، مع مصادرة قرارنا السياسي؛ فهي خسارة الدنيا والآخرة، وخسارة الحاضر والمستقبل؛ ولذلك نحن اليوم معنيون في أن نسعى بكل جد في التصدي لهذا العدوان الهادف إلى سلب حريتنا، الهادف إلى تحويلنا عبيداً لهم، أذلاء وخانعين؛ ليسحقونا ويقهرونا ويذلونا، وليفقدونا كل الخير، وليسلبوا منا حاضرنا ومستقبلنا.

ليكن تحركنا بحجم التحديات

اليوم، هناك توجه كبير من جانب قوى العدوان لمرحلة جديدة من التصعيد- تحدثنا عنها في الخطابات السابقة- وهم على وشك البداية بهذه المرحلة الجديدة، بعد أن فشلوا في المراحل الماضية، ونحن معنيون في أن نتحرك بشكل جاد، بمستوى حجم التآمر ومستوى حجم التحديات، وأن نحشد كل الطاقات في هذا الاتجاه: النشاط الإعلامي، النشاط المجتمعي، التحرك التوعوي والتعبوي، العمل التثقيفي، نشاط بكل ما تعنيه الكلمة في كل الاتجاهات؛ في سبيل أن نتصدى لهذا العدوان، وإن الله معنا بقدر ما نتحمل نحن المسؤولية؛ لأن الله ليس مع الذين يتنصلون عن مسؤولياتهم، وإن الشعوب التي تتنصل عن مسؤوليتها في الدفاع عن حريتها وكرامتها؛ هي شعوبٌ تُسحق وتباد ولا يبقى لها وجود ولا تاريخ.

لاحظوا، هناك أمثلة، مثلاً: الهنود الحمر في أمريكا، قرابة الخمسة عشر مليوناً في بعض الإحصائيات، أُبيدوا عن آخرهم، شعب بكامله أُبيد وانتهى؛ لأنه لم يحمل إرادة التحرر كما ينبغي، ولم يكن لديه لا من الوعي ولا من الإرادة ولا من التحرك ما يتطلبه الموقف، ويجب أن نكون حذرين من كل المستهترين والساخرين، الذين لا يتحلون ولا بمثقال ذرة لا من الإنسانية، ولا من الانتماء، ولا من الإحساس بالهوية، ولا من الأصالة، ولا من العزة، ولا من الكرامة، الذين لديهم كل القابلية لهيمنة وسيطرة الأجنبي، والتضحية بكل شيء، ولديهم الاستعداد لتقبل الخسارة بكل شيء، أولئك الضعاف الذين يقبلون بالهوان.

ذكرى 21 من سبتمبر.. رسالة إصرار وعنوان كرامة

ولذلك، نحن معنيون أن نجعل من هذه الذكرى (ذكرى الحادي والعشرين من سبتمبر) ذكرى تمثل دافعاً وحافزاً كما كانت في يومها وفي حينها، للتصدي للسيطرة الأجنبية والهيمنة الخارجية، وأن نتحرك من جديد، وحتى أن يكون الحضور في ميدان السبعين معبراً ومقدماً لهذا الرسالة: (أننا شعبٌ يأبى الإذلال، ويأبى الهوان، ويأبى العبودية لغير الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أننا شعبٌ حرٌ، ونأبى إلا أن نكون أحراراً، ولن نضحي أبداً بحريتنا، ولن نقبل بأن نكون عبيداً لأعدائنا من المستكبرين وقوى الطاغوت، لا يمكن أن نقبل أبداً)، ثم أن يعقب هذه الفعالية- إن شاء الله- تحركٌ جاد على كل المستويات، تحركٌ جاد للتصدي لهذا العدوان في مؤامراته الجديدة.

آمل- إن شاء الله- أيضاً على المستوى الرسمي وفي الوضع السياسي أن تشهد المرحلة القادمة مزيداً من التعاون والتفاهم بين المكونات الرئيسية في هذا البلد، وفي طليعتها المؤتمر الشعبي وأنصار الله، وأن تشهد المزيد من التفاهم والتعاون لمواجهة التحديات القائمة ضد أبناء هذا الشعب.

نسأل الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أن يوفق شعبنا العزيز إلى ما فيه رضاه، وأن يُعينهُ، وأن ينصرهُ، وأن يؤيدهُ.

في ختام هذه الكلمة: أدعوا جماهير شعبنا إلى الحضور الكبير المعبرة عن الإصرار على الحرية، وعلى الكرامة، وعلى العزة، وعن ثبات هذا الشعب في مواجهة هذا العدوان، يوم الغد في ميدان السبعين، إن شاء الله حضور كبير ومشرف، وأن يعقب هذه الفعالية نشاط كبير في التصدي للعدوان، ورفد الجبهات، والتحرك في كل المجالات، كما تحدثنا في كثير من الكلمات، والله ولي المعونة والنصر والتأييد والتوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛

المقروءات 2021-09-17
تواصل معنا

موقع شبكة البينات | شبكة البينات خطابات ومحاضرات وحوارات ومقابلات السيد / عبدالملك بدرالدين الحوثي ..خطابات المناسبات... بالفيديو والنص والصوت .

copyright by baynat 2024 ©