...

الخطاب الجماهيري لذكرى المولد النبوي الشريف 1440هـ

الرسالة الإلهية تتويج لخاتمة وجود البشرية

بارك الله فيكم يا أهل الوفاء، يا أهل الشهامة، يا ذوي المحبة لرسول الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- نفسي لكم الفداء، أنتم الأوفياء دائمًا في أي ظرف وفي أي مرحلة، ومهما كانت التحديات…

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: الآية56]، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار من المهاجرين والأنصار، وعن سائر عبادك الأبرار، وألحقنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أيها الحضور الكرام في كل ساحات الاحتفال بهذه الذكرى المباركة المجيدة: ذكرى مولد رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-:

السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛

نبارك لكم ولكل أمتنا الإسلامية حلول هذه الذكرى المباركة السعيدة: ذكرى مولد خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- والذي كان مولده مولدًا للنور، وقدومًا ميمونًا ومباركًا لأعظم وأسمى وأزكى إنسانٍ في الوجود البشري منذ آدم إلى قيام الساعة.

فمع اقتراب قيام الساعة ونهاية التاريخ، في الحقبة الأخيرة للوجود البشري، والتي أكد عليها القرآن الكريم في قول الله -سبحانه وتعالى-: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: الآية1]، وفي قوله تعالى: {أَزِفَتْ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم: 57-58]، وفي قوله -سبحانه وتعالى-: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد: الآية18]، وهذه المرحلة الختامية للوجود والمعروفة بآخر الزمن، والتي ستكون من أهم المراحل في الواقع البشري وفي واقع الحياة، وخلاصةً جامعةً عن كل المراحل السابقة في تجربة الأمم الماضية المتعاقبة، وتشهد فيها مسيرة الحياة تطورًا كبيرًا، وتمكنًا عجيبًا، وتسخيرًا واسعًا لصالح البشر، ويعظم فيها الاختبار، وتكبر فيها المسؤولية، كان في حكمة الله تعالى وفي رحمته أن يمنَّ على البشرية بأعظم وأسمى وأزكى وأهدى قائدٍ ومعلمٍ على مرِّ التاريخ، يختم به النبوة، ويتم به الرسالة، ويقيم به الحجة، ويتم به النعمة، ذلكم هو رسول الله محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- وأرفق معه أعظم وأهدى كتبه، مضمنًا له من المعارف والتعليمات والحقائق والتوجيهات ما يتحقق للبشرية باتباعه الفوز، وتكسب به النجاة، وتهتدي به في مسيرة حياتها، وتسمو وترتقي في سلم الكمال الإنساني، وتصلح واقعها، وتؤدي مسؤولياتها، وتنهض بدورها الحضاري في واقع الحياة، بما يحقق لها الخير والفلاح، وتصوب مسيرتها من الدنيا إلى الآخرة مسيرة سعادةٍ وفوزٍ وفلاح، برعايةٍ وهدايةٍ من الله -سبحانه وتعالى-.

 فالله -سبحانه وتعالى- كما كتب وقدر للمرحلة الأخيرة في حياة البشر، أن تكون مرحلة التكامل والذروة في التمكين للإنسان والتسخير له، واكتمال النعمة عليه فيما استخلفه فيه من الأرض، وفيما هيأ له من المنافع في هذا العالم، وكما هيأ له أن تكون هذه المرحلة الأخيرة ذروة النشاط والتحرك والإنتاج والإبداع في حياته، وأن تكون- أيضًا- في الواقع العملي أكبر وأوسع وأكثر تأثيرًا، وأن تكون مسيرة الحياة فيها سريعةً، كل شيءٍ فيها يتسارع: الأحداث، والتطورات، والإنتاج، والمتغيرات، وواسعةً يمتد فيها التأثير لأي أحداثٍ في شرق الأرض إلى مغاربها، وفي غربها إلى شرقها، وإن الله تعالى، وهو أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين، ورب العالمين، يعلم بحاجة الناس- مع هذا التمكين والتسخير، وفي ظل هذا الواقع الكبير- إلى الرشد والصلاح، وإلى الهداية والبصيرة، وإلَّا تحول ما هم فيه من تمكين، وما أنعم الله به عليهم من قدرات وإمكانات إلى شرٍ وضررٍ وخطرٍ وشقاء، وسنته تعالى في عباده في كل مراحل التاريخ للأمم الماضية أن يقيم عليهم حجته، وأن يهيئ لهم أسباب النجاح والفلاح والرشاد، فما كان ليتركهم في المرحلة الأخيرة، التي قد تكون هي الأكبر في حجم أحداثها ومخاطرها، والأزهى في وسائلها وإمكاناتها، فكان الذخر لهذه الحقبة الأخيرة هو أعظم الأنبياء وخاتمهم رسول الله محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- الذي بلغ أعلى مراتب الكمال الإنساني، جسَّد المبادئ الإلهية التي أوحى الله بها إليه، فكان هو القدوة الأعظم في إيمانه بها والتزامه على أساسها، كما قال تعالى بشأنه: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 161-163]، وكما قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ} [هود: من الآية112].

وبلغ -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- مستوى العظمة، وحطم الرقم القياسي في مرتبة كمال الأخلاق، بما لم يصل إليه قبله أحدٌ من البشر، ولا يصل إليه أحدٌ بعده، ولذلك قال الله تعالى بشأنه في القرآن الكريم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: الآية4]، فتبوأ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- موقع القيادة الرشيدة للمجتمع البشري بجدارة، وتأهَّل للسير بالأمة في طريق الخلاص والفلاح والسعادة، نبيًا عظيمًا يتحرك متصلًا برعاية الله وتدبيره وهدايته، وبأمره وإذنه، قال الله -سبحانه وتعالى-: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} [الأعراف: من الآية158]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} [الأحزاب: 45-46]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: الآية107]، رحمةً في الدنيا إن اتبعوك بصلاح حياتهم وسمو أنفسهم وحل مشاكلهم، وبسلامتهم من عقوبات الله العاجلة، وبحصولهم على رعايته الواسعة فيما وعد به من استقام على نهجه من الخير العاجل، ورحمة في الآخرة بالفوز برضوانه وجنته الواسعة التي عرضها السموات والأرض، وفيها الحياة الدائمة، والسعادة الأبدية، والنجاة من عذاب الله الأكبر (نار جهنم) دار الشقاوة الأبدية.

بالقرآن والرسول أتم الله النعمة وأكمل الحجة

فرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله- بما منحه الله تعالى من الكمال الإنساني والأخلاقي، وبما حمله من المبادئ والقيم، وبما علمه من الهدى، وبما حظي به من اتصالٍ مباشرٍ عبر الوحي بتعليمات الله قد حاز مرتبة القيادة والقدوة للناس كافة، وللأمم والأجيال منذ عصره إلى القيامة قاطبة، ومنحه الله تعالى وأرفق معه أعظم وأوسع وأهدى مصدرٍ للهداية والمعرفة، ذلكم هو القرآن الكريم، المعجزة الخالدة الذي قال الله -جلَّ شأنه- فيه معبرًا عن سعة معارفه وواسع هدية: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ[لقمان: من الآية27]، وقال معبرًا عن عظمته وإعجازه: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: الآية88]، وحفظه الله تعالى للأجيال المتعاقبة، فلم يتمكن الضالون المضلون من تحريف نصه ولا من إضاعته، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: الآية9].

وبذلك أتم الله النعمة، وأكمل الحجة على عباده، فإلى جانب التسخير المادي، والنعم العظيمة، والتمكين الكبير الذي بلغ فيه المجتمع البشري تقدمًا متصاعدًا ومتسارعًا، وإلى جانب واقع الحياة الذي اتسع كثيرًا، وإلى جانب التحديات والمخاطر الأكبر؛ كان هدى الله- متمثلًا في كتابه ورسوله- أوسع وأعظم، وكفيلًا بتحقيق الرشد اللازم، والهداية الكافية للسير بالإنسان بشكلٍ صحيح، ولإدارة المجتمع الإنساني بشكلٍ سليم، ولبناء الحياة بشكلٍ أفضل، وبما يجنِّب البشر الكثير والكثير من المشاكل والأزمات، وبما يدفع عنهم الكثير من المخاطر، وقد أثبتت التجربة العملية في حركة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالقرآن الكريم، وبعثته بالرسالة مصداقية ذلك، فقد تحرك في أوساط المجتمع الجاهلي، في البيئة العربية التي كانت تعاني من الجهل، والتخلف، والأمِّيَّة، والعصبية العمياء، وتعيش حالةً مأساوية من الفوضى والانفلات والضياع؛ فتحرك -صلوات الله عليه وعلى آله- بالرسالة الإلهية وفق الطريقة التي رسمها الله له، وكانت أول نواةٍ ومجموعةٍ انضوت تحت راية الإسلام مكونةً من ثلاثة أشخاص: رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله-، وزوجته الصدّيقة السابقة خديجة بنت خويلد، وعلي بن أبي طالب، وواصل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حركته بالرسالة، مواجهةً كل التحديات، ومتصديًا لكل الصعوبات، برعاية الله ونصره، ووفق تعليماته وتوجيهاته، فاتسعت تلك الدائرة حتى عمَّ نور الإسلام في الجزيرة العربية، وأما تأثيره فامتد إلى كافة أنحاء المعمورة بمستوياتٍ مختلفة، وكانت النقلة بالواقع العربي نقلةً كبيرة، من حالة: الأمِّيَّة، والجهل، والخرافة، والكفر، والفجور، والفسق، والظلم… إلى نور الإسلام وهدايته، والاعتصام بحبل الله تعالى، وتغيير الواقع إلى واقعٍ يسوده الحق، والخير، والنور، والعدل، ومكارم الأخلاق، كما قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الجمعة:2-4].

ابتعاد الأمة عن منهج الرسالة جعلها أمام مفترق طرق

وقد تسبب ابتعاد الأمة- مع امتداد الزمن- عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في موقع القيادة والقدوة، وعن القرآن الكريم في موقع المنهج والإتباع والاهتداء في كثيرٍ من الأسس، والمبادئ، والأخلاق، والمسؤوليات، والتعليمات المهمة… تسبب في خسائر كبيرة، وأدَّى إلى تراجعٍ خطير في الوعي، والفهم، والمعرفة الصحيحة، وفي زكاء النفوس، ومكارم الأخلاق، وبالتالي في واقع حياة الأمة؛ فاتجهت الأمة في مسيرتها عبر الزمن- وللأسف الشديد- نحو الانحدار أكثر وأكثر، يقودها في ذلك، ويسير بها إلى هوة المهالك: سلاطين الجور، وعلماء السوء، الذين كانوا يحاربون- بشدة- أخيار الأمة، وصالحيها، والساعين إلى إصلاح واقعها عبر الأجيال، وتعيش الأمة اليوم محنة الانقسام الذي جعلها أمام مفترق طرق:

  • إما طريق النفاق الذي يسعى دعاته لأن يبقى الإسلام مجرد حالةٍ شكلية، وطقوسٍ باردة، بينما يكون أهله جندًا مجنَّدين، وخدمًا مطيعين لطاغوت العصر المستكبر، المتمثل بأمريكا وإسرائيل، وتتحول الأمة المسلمة بكل طاقتها وإمكاناتها وثرواتها واهتماماتها إلى رصيدٍ إضافيٍ، يعزز من سيطرة أمريكا ومن نفوذها وهيمنتها على المستوى العالمي، ويتحالف مع إسرائيل تحت الراية الأمريكية ضد كل صوتٍ حرٍ، وضد كل حركة تسعى للاستقلال، وتعمل من أجل حرية وكرامة الأمة، وهذا يمثِّل انحرافًا كبيرًا وخطيرًا حذَّر منه القرآن الكريم، ونهى الله تعالى عنه أشد النهي، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: الآية51]، وقال تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: من الآية28]، وقال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} [النساء: 138-139]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} [النساء: 144-145].
  • وإما طريق الحرية والاستقلال والكرامة على أساسٍ من هويتنا الإيمانية، وانتمائنا للإسلام، هذا الطريق الذي فيه خير الدنيا والآخرة، وأساس هذا الطريق هو بالاقتداء برسول الله -صلى الله وسلم عليه وعلى آله- والتمسك بالقرآن بشكلٍ صادق، وأول شاهدٍ على المصداقية في ذلك: هو التحرر من التبعية لأعداء الإسلام ومن يواليهم، يقول الله -سبحانه وتعالى-: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: الآية3].

فبالاستقلال الفكري والثقافي تتحقق الحرية، وننال الاستقلال التام عندما ننطلق في مسيرة حياتنا وفي مواقفنا على هذا الأساس، ولو واجهتنا صعوباتٌ في هذا الطريق، وكلفنا ذلك التضحيات، فالكلفة في ذلك أقل وأيسر من كلفة التبعية للأعداء والاستسلام، بما لذلك من تبعات المذلة، والقهر، والخزي، والاستعباد، والظلم في الدنيا، وجهنم في الآخرة.

 شعبنا العزيز، أمتنا الإسلامية: إن عاقبة الصبر على المعاناة في سبيل الله تعالى، وفي سبيل أن نتحرر من سيطرة الطاغوت والاستكبار، وأن نسعى لأداء واجبنا، والنهوض بمسؤوليتنا لمواجهة الطغيان والعدوان، وتحقيق الحرية والاستقلال، ومن خلال الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه؛ عاقبته الخير والنصر والظفر، وبذلك نطق الوعد الإلهي في القرآن الكريم، قال تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: من الآية47]، وقال تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: الآية128]، وإن الصعوبات في هذا الطريق يومًا ما يتم تجاوزها، وإن الله يقول: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق: من الآية7]، وعن النبي -صلى الله وسلم عليه وعلى آله-(إشتَدِّي أَزمَةُ تَنفَرِجي)، وإن التاريخ يشهد بذلك في حركة النبي -صلى الله عليه وعلى آله- وقد واجه المسلمون تحت رايته تحدياتٍ كبيرة، منها غزوة الأحزاب التي قال الله تعالى بشأنها: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب: 10-11]، وغيرها من التحديات، وفي الأخير تحقق الوعد الإلهي بنصر الله وبعاقبة التمكين لعباده المتقين.

نداء لأحفاد الأنصار وأبطال الفتوحات

إنني في هذا اليوم أتوجه إليك أيها الشعب العزيز بكل مكوناته وأطيافه الوفية: أيها العلماء الأجلاء، أيُّها المشائخ الأوفياء، أيُّها الشباب الأعزاء، أيُّها المثقفون والأكاديميون المتنورون، أيتها القبائل الأبية، أيتها الحرائر الكريمة، إن هذه المرحلة من جهاد شعبنا، وتصديه للعدوان الأمريكي السعودي الغاشم، هي مرحلةٌ أساسيةٌ ومهمة وفاصلة، وإنَّ المسؤولية فيها أمام الله -سبحانه وتعالى- بتظافر الجهود، وبالعمل الجاد لدعم الجبهات، وللعناية بكل ما من شأنه تعزيز الصمود والتماسك على كل المستويات، فنحن نواجه عدوانًا ظالمًا، يستهدفنا في: حريتنا، وكرامتنا، واستقلالنا، وأرضنا، وعرضنا، وقيمنا، وأخلاقنا، وهويتنا، وانتمائنا، ويسعى لاستعبادنا وإذلالنا، فيا يمن الإيمان، يا نَفَسَ الرحمن، يا أحفاد الأنصار، يا أبطال الفتوحات، يا حملة الرايات: لنجعل من هذه المناسبة العزيزة والذكرى المجيدة محطةً تعبويةً إيمانية، نتزود منها نفحةً من نفحات العزة الإيمانية، من عزة الله ورسوله، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: من الآية8]، ونتزود منها المزيد من العزم، ومن الصبر، ومن الجد، ومن الإحساس بالمسؤولية، نعزز علاقتنا الإيمانية الواعية العملية بالقرآن وبالرسول.

وندائي للشباب والشابات: أنتم ذخر الأمة وعماد نهضتها، وأنتم مستهدفون من قوى الطاغوت، ليس فقط بالقنابل الذكية والصواريخ المدمرة والأسلحة القاتلة، بل إضافةً إلى ذلك أنتم مستهدفون في إيمانكم، وفي وعيكم، وفي شرفكم، وفي أخلاقكم، وفي كرامتكم، وفي طهارتكم، وفي عفتكم، أنتم في عصر الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، والفضائيات، تستهدفون- أيضًا- عبر موجات الأثير بما هو أشد فتكًا وأكبر ضررًا حتى من القنابل العنقودية، فالله الله كونوا في هذه المعركة وفي هذا الميدان عند مستوى الأمل بكم في اتجاهكم الجاد نحو التمسك بهويتكم وانتمائكم، في سعيكم الجاد للتثقف بثقافة القرآن الكريم، والتحصن بالوعي العالي، والتحصن بأخلاق القرآن التي هي مكارم الأخلاق، وفي اهتمامكم بزكاء أنفسكم، في حذركم من كل ما يمس بوعيكم وبزكائكم، استبصروا بنور القرآن في كشف كل الظلمات، واحذروا كل الظلاميين من التكفيريين الذين افتضحوا- بكل وضوح- بتبعيتهم لأمريكا وعملائها، ومن الإباحيين الفاسدين الذين يسعون لضربكم في قيمكم وأخلاقكم؛ لضمان السيطرة عليكم عن طريق إفسادكم، واجعلوا من هذه الذكرى المباركة محطةً للتعبئة الأخلاقية والروحية، وكونوا لأمتكم- اليوم- في محنتها ذراعها الضارب، وسياجها الحصين، وتاجها الزاهي.

في الختام.. نقاط مهمة

ونحن في هذا اليوم المبارك من نور صاحب الذكرى ومن هديه المبارك نؤكِّد على التالي:

أولًا: تمسكنا- كشعبٍ يمني- بحقنا في الحرية والاستقلال على أساسٍ من هويتنا الإيمانية وانتمائنا الإسلامي.

ثانيًا: تمسكنا- بالاعتماد على الله تعالى- بحقنا في الدفاع عن أنفسنا وبلدنا، والتصدي للعدوان الصهيو أمريكي السعودي الإماراتي، طالما استمر هذا العدوان، وجهوزيتنا للسلام العادل المشرف عند توفر المصداقية لتحالف العدوان في ذلك.

ثالثًا: تمسك شعبنا بقضايا أمته الكبرى، وإدانته لكل أشكال التطبيع والتحالف مع إسرائيل، ووقوفه المبدئي والأخلاقي مع الشعب الفلسطيني والمقاومة الباسلة لتحرير المقدسات، وعلى رأسها الأقصى المبارك والقدس الشريف، وطرد الصهاينة المحتلين، ونيل الحرية الكاملة للشعب الفلسطيني المظلوم.

رابعًا: أدعو شعبنا العزيز للعناية القصوى بالتكافل الاجتماعي والاهتمام بالفقراء، وإغاثة الملهوفين والجائعين، والعناية- أيضًا- بإخراج الزكاة.

خامسًا: على الجهات الرسمية بمساندةٍ من القوى السياسية، ودعمٍ من الشعب، بذل جهدها لتحسين الأداء في كل مؤسسات الدولة، ومكافحة الفساد، وبذل أقصى الجهد لخدمة الشعب.

وختامًا: أشكر لكم أيها الأوفياء الكرام هذا الحضور الكبير والمشرِّف، والمعبِّر عن وفائكم، وعن صلابتكم، وعن حيويتكم، وعن فاعليتكم، وعن ثباتكم، وعن محبتكم وتوقيركم وإعزازكم لرسول الله محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-.

أسأل الله أن يكتب أجركم، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛

المقروءات 2021-09-17
تواصل معنا

موقع شبكة البينات | شبكة البينات خطابات ومحاضرات وحوارات ومقابلات السيد / عبدالملك بدرالدين الحوثي ..خطابات المناسبات... بالفيديو والنص والصوت .

copyright by baynat 2024 ©