التقوى ثمرة الشهر الكريم
وجوب الحفاظ عليها والانطلاق على أساسها
أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَلِكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عَبْدُه ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وباركت على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
وتقبَّل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
بتمام شهر الصيام شهر الرحمة والمغفرة، شهر البركات والهداية نكون أتممنا هذه السلسلة من المحاضرات الرمضانية، وشهر رمضان المبارك هو نعمة وهبةٌ من الله -سبحانه وتعالى- وإن كان فريضةً إلزامية؛ فلأهميته، ولكنه في كل الأحوال نعمة عظيمة، ولذلك يختتم بعد إكمال الصيام بالعيد الذي هو ابتهاجٌ بالتوفيق لهذه النعمة، بالصيام فيها، والقيام، والذكر لله -سبحانه وتعالى- والعناية الأكثر بكتابه المبارك، والاهتمام بصالح الأعمال، وما في ذلك من مضاعفة الأجر والثواب والأثر التربوي والنفسي… إلى غير ذلك، والتكبير لله على عظيم نعمه، وعظيم ما هدانا إليه.
الله -سبحانه وتعالى- في كل ما يهدينا إليه ويأمرنا به يأمرنا من منطلق رحمته بنا، وعلى أساس حكمته، وبعلمه بما هو الخير لنا، ولما يأمرنا به الأثر العظيم في أنفسنا وفي واقع حياتنا، والثمرة المباركة والمهمة لشهر رمضان المبارك في صيامه، وفي قيامه، وفي أعمال الخير فيه، وفي الأعمال الصالحة فيه، وفي الاهتمام فيه بهدى الله -سبحانه وتعالى- الثمرة المهمة جدًّا هي التقوى، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: من الآية183]، وهي الثمرة التي ينبغي أن نحرص على العناية بها، والانطلاقة من خلالها فيما بعد شهر رمضان المبارك، ونحن نستقبل ما نستقبله في الأشهر القادمة في حياتنا، والله أعلم كم بقي للإنسان في هذه الحياة، فيما بقي من حياة الإنسان إلى أن يأتي شهر رمضان المبارك، نكون في واقع هذه الحياة نواجه الكثير من المؤثرات، والتحديات، والأخطار، كيف نلتزم في مسيرة حياتنا بالتقوى، التقوى هي ثمرةٌ للإيمان الواعي، والإيمان الواعي ركيزته المهمة التزكية للنفس والترويض لها للاستقامة على نهج الله، وتوجيهات الله -سبحانه وتعالى- إضافةً إلى الاهتداء والرشد الفكري، وامتلاك الفهم الصحيح على ضوء تعليمات الله، وتوجيهات الله، وما يقدِّمه لنا الله -سبحانه وتعالى- من بصائر، ومن هدايةٍ واسعة تجاه هذه الحياة، وواقع هذه الحياة.
التقوى مسؤولية وموقف
جانبٌ أساسيٌ من التقوى يتجه نحو الانتهاء عما نهانا الله عنه، والحفاظ على حدود الله -سبحانه وتعالى- وجانبٌ آخر من التقوى يتجه نحو القيام بما أمرنا الله به -سبحانه وتعالى- ففي النهاية هناك أمر وهناك نهي من ربنا الله -سبحانه وتعالى- ربنا العظيم، ملك السماوات والأرض، الذي هو رقيبٌ علينا ويحاسبنا ويجازينا ومصيرنا إليه، ونحن كمسلمين نؤمن بوعد الله ووعيده في الدنيا والآخرة، ونؤمن أيضاً بالمستقبل الأبدي والدائم في الآخرة في ظل خيرٍ لا انقطاع له، أو شرٍ لا نهاية له، يحدد هذا أو ذاك عمل الإنسان في هذه الحياة، ومدى استقامته على أساس هدي الله وتوجيهات الله -سبحانه وتعالى-.
في هذه المرحلة نحن كأمةٍ مسلمة، وكشعبٍ يمنيٍ مسلم نواجه الكثير من التحديات، وهي مرحلة مهمة من أهم المراحل التي تعيش فيها الأمة في مواجهة أخطار وتهديدات كبيرة، وعلينا مسؤولية تجاه ذلك، نحن نتصدى للعدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الصهيوني ضمن التحالف الذي يقود هذ العدوان علينا كشعبٍ يمنيٍ مسلم، ونحن في العام الخامس نتصدى لهذا العدوان، منذ بداية هذا العدوان وهو يرتكب أبشع الجرائم، ويحاربنا في كل المجالات: يحاربنا عسكرياً، وأمنياً، وسياسياً، واقتصادياً، وإعلامياً… وفي كل مجال هناك ميدان لهذه المعركة، وهناك تحرك للعدو في هذا الميدان، ينبغي أن نتصدى له، هذه مسؤولية علينا أمام الله -سبحانه وتعالى- انتماؤنا الإيماني يفرض علينا التحرك للتصدي لهذا العدوان الإجرامي الظالم، الذي هو بما يمارسه من جرائم، وبما يهدف إليه من السيطرة علينا، والاستعباد لنا، عدوانٌ ظالمٌ وغاشمٌ، ومن أكبر المنكرات التي يجب النهي عنها، والمحاربة لها، والتصدي لها، والعمل ضدها.
والجهاد في سبيل الله هو في واقع الحال وسيلة- كما كررنا كثيراً- لحماية الأمة، ودفع الشر عنها، ودفع الطغيان عنها، ودفع الظلم عنها، ودفع الفساد عنها، للدفع: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: من الآية251]، منذ بداية هذا العدوان تحرك الأحرار، والشرفاء، والغيورون، والمؤمنون في هذه البلد، من أبنائه رجالاً ونساءً في كل المجالات للتصدي لهذا العدوان، وقدَّم شعبنا يومياً قوافل الشهداء، ولا يزال يقدِّم، وثمرة هذا الصمود، وهذه التضحية، وهذا التحلي بالمسؤولية، وهذه الانطلاقة الواعية والجادة: إفشال هذا العدوان من الوصول إلى هدفه، كان يهدف من أول لحظة أن يسيطر بشكلٍ تام على هذا البلد، وأن يستعبدنا جميعاً كشعبٍ يمنيٍ مسلم، وهو في واقع الحال يستبيحنا، يستبيح دماءنا، يستبيح الأعراض، يستبيح الممتلكات… يستبيح كل شيء، ثم نكون قد خسرنا- ولأجيال- حريتنا، وكرامتنا، واستقلالنا، وقيمنا، ومبادءنا، وديننا، ولذلك من المنظور المسؤول، بكل ما تقتضيه الحكمة والمسؤولية والإيمان، وما يدل عليه هدى الله -سبحانه وتعالى- وما هو واضحٌ في الواقع: أكبر واجب، أعظم مسؤولية، أهم ما يميِّز الخبيث من الطيب، أرقى ما يجلِّي واقع الناس ضمن سنة الله -سبحانه وتعالى- في الاختبار لعباده هو: التحمل للمسؤولية في التصدي لهذا العدوان في كل مجالٍ من المجالات:
في المجال العسكري: الاستمرار في رفد الجبهات، والنفير إليها.
على المستوى الاقتصادي: الاهتمام بمحاربة العدو في هذا المجال، والعمل على التحرك في المجال الاقتصادي لنكون شعباً منتجاً، ولنقلل من اعتمادنا على الاستيراد الخارجي، ولنشجع المنتج المحلي، ولنعزز نشاطنا الاقتصادي بشكلٍ مدروس، وعلى نحوٍ واعٍ.
التحرك في المستوى السياسي: لتماسك الجبهة الداخلية، ولإيصال مظلوميتنا إلى العالم، وقد وصلت إلى كثيرٍ من أبناء العالم، وهناك تأثير إيجابي ملموس ومتزايد في العزلة لقوى التحالف في عدوانها علينا وفي كشف حقيقة أهدافها الشيطانية ومآربها الظالمة.
ثم على مستوى العناية بتماسك الجبهة الداخلية، والتصدي- على الجبهة الإعلامية- لأنكر الأصوات، لأبواق العدوان، للذين يتحركون للتضليل، وللتثبيط، وللتخذيل، {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: من الآية19]، صوت الحمير: الصوت الذي يثبط، الذي يخذل، الذي يشجع الناس على التنصل عن المسؤولية، الذي يحاول إلهاء الناس بافتعال قضايا وعناوين هامشية، أو لا تستحق أن تكون هي في الصدارة على حساب القضايا الكبيرة، في مقابل التهميش للقضايا الكبيرة والرئيسية، أنكر الأصوات في مضمونه الهدَّام الذي يثير الفرقة بين أبناء شعبنا، ويلهيهم عن قضاياهم المهمة والرئيسية، ويشوش ذهنيات البعض من ضعاف الوعي وناقصي الوعي، أنكر الأصوات صوت الحمير، الحمير الذين لا يحملون الوعي، ولا يتحلون بالمسؤولية، الذين مثَّل الله لهم هذا المثل في كتابه الكريم؛ لأنهم لم يتحملوا المسؤولية كما ينبغي بمقتضى الوعي، بمقتضى الإيمان، بمقتضى الهدى، فكانوا كما قال الله عنهم: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: الآية5].
الحفاظ على الأولويات لضبط الاهتمامات
فنحن معنيون بالحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، وأن نحافظ على الأولويات في اهتماماتنا، هذا ما يدل على التقوى، ما يدل على الإيمان، ما يدل على الوعي أن نحافظ على الأولويات لتضبط اهتماماتنا العملية، ونعالج على ضوئها، على ضوئها وليس على حسابها، بل من خلال الاهتمام بها، من خلال أن تكون هي المنطلق:
- نحافظ على تماسك الجبهة الداخلية، نعالج المشاكل الداخلية، نصلح أي خلل في الواقع الداخلي بروحٍ عملية، بروحٍ مسؤولة، وليس بالمناكفات الإعلامية والمزايدات التي يستخدمها البعض كأسلوب لإرضاء الطموح الشخصي. |لا| إنما بروحٍ مسؤولة، وبروحٍ عملية، وبشكلٍ صحيح وسليم، وبالاستناد إلى الحقائق والأدلة والمعلومات الصحيحة، وليس بالاستناد إلى الأقاويل والدعايات والوشايات الكاذبة والمغرضة والحاقدة، بحمد الله هناك في هذا الشعب الخير الكثير، الكثير من الرجال الصالحين والنساء الواعيات والمؤمنات الذين يبذلون جهدهم في كل هذه المسارات وفي كل هذه المجالات وبشكلٍ كبير وملموس ومؤثر، وهم الأكثر حضوراً والأكثر تأثيراً في الساحة، والأمل- إن شاء الله- أن تتواصل الجهود في كل هذه المسارات، وفي العناية بتماسك الجبهة الداخلية.
- أيضاً من القضايا المهمة التي ينبغي الالتفاتة إليها: العمل على معالجة المشاكل القبلية والنزاعات القبلية بروحٍ مسؤولة، وباهتمامات من الجميع على أساسٍ من الالتزام بتقوى الله -سبحانه وتعالى- والوعي تجاه مؤامرات الأعداء لتدمير السلم الاجتماعي وإغراق الناس في نزاعات ومشاكل لا أول لها ولا آخر، ودفع الناس للتعامل مع أي قضية مهما كانت بسيطة أو قابلة للحل بأسوأ ما يكون، دفع الناس إلى الاقتتال، إلى الصراع، إلى النزاع الشديد، وللأسف يتحرك في هذا الجانب البعض ممن هم بعيدون عن التحمل للمسؤولية في التصدي للعدوان، فإذا كانت قضية من هذه القضايا لا يتحرجون في دفع الناس فيها إلى الاقتتال، إلى التنازع، إلى شد الحبال فيها ليكون الناس فيها على أسوء حال من الفرقة، والبغضاء، والكراهية، والتشدد، ويحرصون على أن يدفعوا الناس نحو التنازع أكثر فأكثر في القضايا الداخلية، بينما يحاولون أن يبعدوهم عن الاهتمام بالقضايا المهمة والقضايا الرئيسية والقضايا الكبيرة. فإن شاء الله من خلال تفعيل الوثيقة القبلية (وثيقة الشرف) يكون هناك جهود للحفاظ على السلم الاجتماعي، وتحصين الجبهة الداخلية.
- من الأشياء المهمة: العناية القصوى بالموسم الزراعي، ونحن دخلنا الموسم الزراعي، وبحمد الله -سبحانه وتعالى- منَّ الله علينا بالأمطار الغزيرة، وهذه هي فرصة للتوكل على الله -سبحانه وتعالى- عندما نتجه للعناية بالموسم الزراعي ستكون الحصيلة حصيلة جيدة ومهمة.
- البرامج على مستوى مؤسسات الدولة التي ستنبثق عن الرؤية الوطنية في كل مؤسسة من مؤسسات الدولة، وفي كل مجال من المجالات الرئيسية: في المجال الاقتصادي أولاً، في مجال الإصلاح الإداري، في مجال إصلاح القضاء، في مجال مكافحة الفساد بشكلٍ عمليٍ ومسؤول، وبخطوات مدروسة وصحيحة، إن شاء الله ستنطلق بشكلٍ أفضل، وستحقق نتائج- إن شاء الله- على نحوٍ أفضل وبشكلٍ أكبر.
- من آخر ما نؤكِّد عليه ونحث عليه العناية في يوم العيد بإخراج الفطرة، والاهتمام بالفقراء والمساكين.
لا نريد أن نطيل في هذه الكلمة الختامية، أملنا– إن شاء الله- أن يوفقنا الله وإياكم لمواصلة الاهتمام بهدى الله -سبحانه وتعالى- والحرص على الالتزام بالتقوى، وأن نضبط مسيرة حياتنا على أساسٍ من تقوى الله -سبحانه وتعالى- قال الله -جلَّ شأنه-: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: الآية281]،
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء، وعيد مبارك، وعيد فطر سعيد إن شاء الله.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛